Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

عام 1990، وجه الرئيس السابق لمجلس الانماء والإعمار ،المهندس مالك سلام، رسالة استغاثة يطلب فيها مساعدة لبنان للتخلص من 15800 برميل من النفايات الصناعية السامة والمشعة، إضافة إلى 30 ألف طن من نفايات صناعة التبغ. وقد حددت الرسالة خارطة توزع البراميل على الشواطىء وفي الجبال

هيئة التحرير

القوات اللبنانية - النفايات الدولية

"

عام 1990، وجه الرئيس السابق لمجلس الانماء والإعمار ،المهندس مالك سلام، رسالة استغاثة يطلب فيها مساعدة لبنان للتخلص من 15800 برميل من النفايات الصناعية السامة والمشعة، إضافة إلى 30 ألف طن من نفايات صناعة التبغ. وقد حددت الرسالة خارطة توزع البراميل على الشواطىء وفي الجبال، مضافاً للمخاطر  السرطانية والاصابات الناجمة عنها. وبما أن التحقيقات في هذه الجريمة الأخطر في تاريخ لبنان قد أكدت ضلوع القوات اللبنانية في هذه الجريمة، وبما أن التحقيقات أيضاً كانت قد طويت بقرار سياسي ما بعد اتفاق الطائف، فإن الخندق تحرص اليوم على إعادة فتح هذا الملف لا من ناحية نكء الجراح، بل الإضاءة على جريمة مستمرة في لبنان إلى اليوم؛ وقد لا يكفي الاعتذار الكلامي لطي صفحة هذه الجريمة.

ثمة ما ينبغي على حزب القوات اللبنانية فعله؛ ليس أقله تقديم كامل المعلومات التي بحوزته للقضاء، قبل أن يبت القضاء بقراره توزيع المسؤوليات والأحكام. بالمختصر، إن سكوت القوات اللبنانية على هذه المسألة يعني بشكل صريح أن الحرب الأهلية لم تنته بعد. وأن حرب القوات لإلغاء الشعب اللبناني بأسره لا تزال مستمر إلى اليوم. ثمة جرائم لا تنتهي مفاعيلها باعتذار، ومثل هذه القضية بالتأكيد، لا يمكن اقتصار مفاعيلها على اعتذار شفوي فحسب. ثمة مقتلة بحق الناس؛ وعلى القضاء محاسبة كل من علم وسكت، وغض النظر عنها.

***


بدأت قصة النفايات الكيميائية الناتجة عن إدخال المواد الكيميائية إلى لبنان صيف عام 1986 فترة عهد الرئيس أمين الجميل، حينما انفجرت إحدى المستودعات، في منطقة فرن الشباك شرقي العاصمة اللبنانية بيروت، ما أدى لعشرات القتلى والمصابين. ظل الموضوع قيد الكتمان قرابة السنة أو ما يزيد، مع تكتم ميليشيا القوات اللبنانية - المسيطرة على المنطقة في حينه - على نشر أي معلومة تخص الانفجار. لكن خيوط انفجار فرن الشباك، ما لبثت أن عادت إلى الضوء في أيلول من العام 1987.

ففي 21 أيلول 1987 وصلت الباخرة "راد هوست/ التشيكوسلوفاكية" من إيطاليا إلى الحوض الخامس في مرفأ بيروت، محملة بـ16 ألف برميل من النفايات الكيميائية السامة بأحجام مختلفة، قدرت زنة الحمولة بحوالي 2400 طن (10000 طن بحسب الصحف الإيطالية). لكن الحمولة لم تفرغ بكاملها بعد الضجة التي أثيرت حولها، فلم يُنزل منها غير 6000 برميل. وعُلم أن الشحنة كانت قد سجلت لصالح شركة آرمان نصار اللبنانية، التي استوردتها من شركة إيكوليف الايطالية، وهي من الشركات المتخصصة للمتاجرة بالنفايات وتسويقها إلى دول أفريقيا والشرق الأوسط، ومن هذه الدول: لبنان.  

كان الجزء الأكبر من النفايات المحملة إلى لبنان من مصانع مونتيدسون Montedison، التابع لشركة Monteco. أعيدت بعض من هذه السموم تحت إشراف جولي روسو، الذي غادر بيروت في 12 كانون الثاني 1989. فيما أوردت التحقيقات القضائية صيف عام 1988 أن مجموع المبالغ التي كان متفقاً عليها مقابل الشحن بلغت 22 مليون دولار أميركي، تكفلت بها الشركة الايطالية لـ"بعض المسؤولين الحزبيين". وقد تم دفع قسم من هذا المبلغ مقابل ما تم تصريفه من نفايات.

وتبين أن روجيه حداد، بالتعاون مع آرمان جميل نصار، قد عهد إلى العميل الجمركي انطوان كميد أعمال إدخال الباخرة إلى المرفأ وتفريغها وتسلم البضاعة ودفع الرسوم المتوجبة عليها، وحجز المستودعات اللازمة لتخزينها في الحوض الخامس – الخاضع لسيطرة القوات اللبنانية - وفي أمكنة عدة أخرى داخل الاراضي اللبنانية. وقد قام العميل المذكور بكل هذه المهمات وأخرج البضاعة بمساعدة المدعى عليه ضومط كميد من الحوض الخامس. وبموجب تصريح خروج صادر عن الصندوق الوطني - الخدمات المرفأية - ، نقل أنطوان وضومط كميد المواد إلى مستودعات المحجوزة في جعيتا، وفي منطقة الكسارات الواقعة ما بين ساحل علما وشننعير، والى مستودعات المدعى عليه هنري عبد الله في زوق مصبح. وقد اشترى بعض التجار والصناعيين قسماً منها واستعملوها في الصناعات، كما جرى حرق القسم الآخر منها أو إتلافه برميه في مكبات النفايات ومنها مكب "النورماندي" الى أن اكتشف أمره فجرى جمع ما تبقى منها، وإخراجه من الأراضي اللبنانية.

وتبين كذلك أن شركة إيكولايف "Ecolife" S.a.s سعت إلى تصريف المواد المذكورة وإتلافها خارج ايطاليا، فاتفقت مع المدعى عليه آرمان نصار للقيام بهذه المهمة في لبنان ووافق الأخير طمعاً بالارباح. وقد عهدت شركة Ecolife الى شركة "Jully Wax" شحن المواد إلى بيروت ليصير إلى إتلافها في لبنان بواسطة آرمان نصار. وقد أرادت شركة Ecolife التأكد من أن المواد قد وصلت فعلاً الى لبنان وأتلفت من أجل تسديد التزاماتها بدفع التكاليف. فطالبت تزويدها بالمستندات الثبوتية. فسلمت بالفعل شهادتان مزورتان منسوب صدورهما إلى شركة لم يثبت أنها حقيقية وموجودة. الشهادة الاولى تحمل تاريخ 6/10/1987 تثبت وصول الباخرة "راد هوست" الى مرفأ بيروت وتفريغ "كامل حمولتها فيه" وتسليم البضاعة. والثانية تحمل تاريخ 21/10/1987 تثبت أن الشركة الوهمية المذكورة قد أتلفت كامل حمولة النفايات الصناعية التي أفرغتها الباخرة "راد هوست"، وأنه تم تحويل جزء منها رماداً، ورمي الجزء الآخر في مجارير النفايات، إلاّ أن شركة Ecolife شكت في صحة هذين المستندين فعرضتهما على قنصل لبنان العام في ميلانو الاستاذ أديب علم الدين الذي أعلم بدوره وزارة الخارجية بالقضية، الأمر الذي أدى كشف الكثير مما جرى نهار 21 أيلول عام 1987 في مرفأ بيروت.  

 

رأي اللجان العلمية في المواد التي أُدخلت:

على إثر ظهور بعض الآثار الجانبية على مجموعة من أطفال منطقة غزير عام 1988، تشكلت للمرة الاولى بطلب من قاضي التحقيق الأول جوزف فريحة لجنة خبراء، ضمت كل من ميلاد جرجوعي، مكرديش مكرديشيان، ولسن رزق، فؤاد غرة، بيار ماليشيف، التي قدمت تقريراً خلصت فيه إلى أن المواد الكيميائية المدفونة في لبنان خطيرة على المديين القريب والبعيد إن كان لناحية الصحة العامة للناس، أو لناحية البيئةأوصت اللجنة العلمية بتدابير وقائية أخرى منها عدم استخراج هذه المواد من البراميل، وعدم حرقها في الهواء الطلق، أو إدخالها في جوف الارض أو وضعها بالقرب من المياه الجوفية نظراً لخطورتها على الصحة العامة للإنسان والحيوان والنبات.

إلا أن انتشار بعضها خارج معلباته وحرقه ورميه في الأماكن العامة، وفي مكبات النفايات أدى الى تلوث التربة وإلى ظهور بعض العوارض الصحية ومنها على بعض الخبراء المعنيين أنفسهم، ومنهم بيار ماليشيف (أحد أعضاء اللجنة العلمية) الذي تعرض للاغتيال.

"

صحيفة الخندق