Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

أجرت الخندق مقابلةً مع الكاتب بلال محمد شلش حول كتابه 'داخل السور القديم: نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدّس'" والذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تموز/يوليو 2020."

حسين عمار

الذاكرة كحرب، إسكاتٌ وإثبات

"

أجرت الخندق مقابلةً مع الكاتب بلال محمد شلش حول كتابه "داخل السور القديم: نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدّس" والذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تموز/يوليو 2020.

١ - كيف وُلدت فكرة كتاب "داخل السور القديم"؟ ولماذا قاسم الريماوي؟

أبحث منذ سنوات عن صوت المقاتل الفلسطيني المغيّب، الصوت الذي ارتفع أثناء المعركة أو على أعتابها، ولم يُسجّل بعد سنوات، بصيغ تذكرّات أو مرويّات شفوية. الفكرة امتدادٌ لمشروعٍ، كان كتاب "داخل السور القديم" حلقته الرئيسية الثانية، فيما كانت الأولى دراسة ونشر وثائق حامية يافا، وقد صدر العمل في مجلّدين بعنوان "يافا دمٌ على حجر.. حامية يافا وفعلها العسكري دراسة ووثائق".

جزءٌ أساسيٌّ من هذا المشروع يقوم على النبش في الأراشيف العائلية، والشخصية، بالإضافة للأراشيف المنهوبة خلال الحرب، لذلك تقصّيت أثر قاسم محمد الريماوي (1918-1982) الذي كان أحد أبرز قادة الجهاد المقدس، القوة العربية المحليّة التي قاتلت فيما عرف عسكريًا بالقطاع الشرقي من الضفة الغربية قبل 15 أيار/مايو 1948. وبعد اكتمال المادة بيني يديّ، كان كتاب "داخل السور القديم نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدس"، جمعت فيه النصوص المختلفة، وأدرجتها مع حفظ سياقها وبيان التغييرات التي طرأت على النصوص، بين المرحلة الأولى التالية للحرب، والمرحلة المتأخرة في سبعينيات القرن الماضي.

٢- هناك سرديةٌ أُعيد إحياؤها مؤخراً، تقوم على فكرة الفلسطينيّ الذي باع أرضه ولم يقاتل. بلال شلش، كباحثٍ فلسطينيٍّ يسعى خلف تأريخ العمل العسكري، كيف ترى واقع معركة التأريخ وحرب الرواية؟

هذا الطرح طرحٌ قديم، وهو جزءٌ أساسيٌّ من السرديّات الصهيونية القديمة، التي تتجدد بأشكالٍ مختلفةٍ وفي أزمنةٍ مختلفةٍ، منها الزمن الراهن، بعيدًا عن السلاح ودفاع أهل البلاد عن أرضهم، وبتقصّي حالاتٍ عينيةٍ لبعض بيوع الأراضي التي تمّت خلال مرحلة الاستعمار البريطاني لفلسطين، وهي البيوع التي تمت في سياقاتٍ وبظروفٍ محددة، تغيب في السردية المشار إليها. يمكن القول بأن المشروع الصهيوني -مع كل الدعم الاستعماري خلال ثلاثة عقود تقريبًا- لم يستطع حيازة أراضي تمكنه من تأسيسه مشروعه في فلسطين بالشكل الذي تمّ بعد أيار/مايو 1948، ولم يكن ممكنًا أن يتأسس هذا المشروع إلا بالعنف، وبالطرد والمحو الذي تمّ ويتمّ يوميًا، بأشكال مختلفة.

وبالعودة لتأريخ السلاح وأهله، تبرز حرب 1947-1949 التي امتدت لعام ونصف تقريبًا، وقتل فيها 1% من صهاينة فلسطين، أن أهل البلاد دافعوا في حدود الممكن عن أرضهم، ولم تسقط أي بقعة من فلسطين إلا بعد كثير من الدم والرصاص، واستطاعت هذه القوة الأضعف، مقابل الصهيوني الضعيف أيضًا، في أن تحقق إنجازات عسكرية مختلفة، أسهمت في المحصلة في حفظ بقية فلسطين، التي سقطت بعد سنين. ومن الضروري التأكيد، كما سيلحظ قارئ "داخل السور القديم"، ومن قبله "يافا دمٌ على حجر"، بأنّ ما حدث في حرب 1947-1949 كان قتالاً حقيقيًا، وأن الكثير من المعارك لم تحسم عسكريًا لصالح الصهاينة، وإنما حسمت لعوامل أخرى بعيدة عن القتال المباشر. 

٣ - عن قاسم الريماوي، بطل القصة، ما الذي نقله من الميدان إلى السياسة؟

كما يبرز نصّ تقرير قاسم الريماوي للحاج أمين الحسيني، أُنهي الجهاد المقدس، وأُنهي المقاتل الفلسطيني خلال الحرب، وقبل أن تنتهي المعارك، بتوقيع اتفاقيات الهدنة بين الدول العربية والاحتلال، ومن لم يقبل من مقاتلي الجهاد المقدس هذا الإنهاء، نُفي أو طُورد وضُيّق عليه الخناق، واعتُقل خلال السنوات التالية عشرات الكوادر من رفاق الريماوي في جهاده، لأنهم رفضوا الإنهاء، أو سعوا لرفضه.

خرج الريماوي لمصر، وابتدأ مسيرةً جديدةً أنهى خلالها درجة الدكتوراه، وخلال سنيّ دراسته جرت الكثير من التغييرات في بقية وسط فلسطين، كان أبرزها تغيير رأس النظام في المملكة الأردنية الهاشمية بعد اغتيال الملك عبد الله في تموز/يوليو 1951، تبع ذلك سياسات من الملك حسين بن طلال طَوَت خلافات جده، فالتحق الريماوي بوصفه خبيرًا في النظام الأردني، وترافق ذلك مع تغييرات داخلية مختلفة، مكّنت الريماوي من البروز نائبًا فوزيرًا فرئيسًا للوزراء، لكن لم يبتعد الريماوي السياسي عن فلسطين، التي قاتل من أجلها الريماوي المقاتل، وإن اختلفت لغة سرده وهذا ما اثبته في دراستي للنصوص، فالريماوي السياسي كان أيضًا من الشخصيات المؤسسة لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، وعضو أوّل لجانها التنفيذية.

٤ – كسبت الحركة الصهيونية في فلسطين جولاتٍ قبل أن تبدأ الحرب، أي أنّها بدأت متقدّمةً بخطوات، بسبب حظر السلاح على الفلسطينيين من قبل البريطانيّين ومؤامرات استملاك الأراضي والمنشآت وغيرها من الأسباب. كيف أحدث العمل المقاوم والجهاد المقدس تحديداً التوازن لاحقاً؟

يمكن لعبارة ضعيف وأضعف أن تلخص حرب 1947-1949 في مراحلها المختلفة، في الحديث عن المرحلة الأولى التي نشط فيها الجهاد المقدس (كانون الأول/ديسمبر 1947-15 أيار/مايو 1948)، لم تكن القوة الصهيونية بذات الإمكانيات التي توفرت لها بعد تأسيس الكيان، وعانت من إشكاليات مركزية في بنيتها العسكرية. مقابل ذلك، صحيح أنّ القوة الاستعمارية البريطانية لم تكن تسمح لأهل البلاد بتأسيس بناء عسكري يحمي أرضهم في لحظة الخطر، إلا أنّ ظروفًا عدة مكّنت من بناء تجربة عسكرية لأهل البلاد، كان أبرزها قتالهم للمستعمر البريطاني في ثورتهم الكبرى 1936-1939، وانتقال العديد من أبناء هذه التجربة لاحقًا للعراق ودول المحور، استغلت هذه الخبرات في التأسيس لتنظيم عسكري جديد، قبل الحرب بشهور، انبثقت عنه لحظة الحرب قوة الجهاد المقدس. بالإضافة لهذه الخبرة، هناك المعرفة المحلية التي فقدها في كثير من الأحيان أبناء المنظمات الصهيونية المختلفة، الذين لم يكونوا قد تهيأوا بعد للحرب الشاملة، فتمكّنت قوة الجهاد المقدس كما تبرز نصوص الريماوي، من تحقيق بعض التوازن، وحقّقت نجاحات مركزية في ما يمكن تسميته بحرب المواصلات، وكذلك نفذت سلسلة من العمليات النوعية التي أعلت صوت المقاتل الفلسطيني، كما مكنت لاحقًا من إفشال بعض العمليات العسكرية الصهيونية المركزية، كعملية "يبوسي"، فأسهمت في حفظ بقية فلسطين إلى حين.

٥ - هل كانت قوة الجهاد المقدس هي الجهة الوحيدة التي حَوَت مقاتلين غير نظاميين أم أنّ فرادتها كانت في نجاح تجربتها في تلك الفترة، مع وجود غيرها؟

كان هدف عبد القادر الحسيني قبل الحرب، تأسيس بناءٍ عسكريٍ لأهل البلاد، يتحمل مسؤولية الدفاع عنها بالكامل ويفشل مخطط تقسيمها، لكن تضافرت الخلافات العربية البينية، مع عوامل أخرى، في الحد من هذا البناء. وعند انبثاق قوة الجهاد المقدس، اقتصر دور هذه القوة، التي كانت قوة شبه نظامية، على ما عرف بالقطاع الشرقي من المنطقة الوسطى في فلسطين، فيما أوكلت اللجنة العسكرية العربية القطاع الغربي منها إلى القائد حسن سلامة حسن الذي قاد قوة محلية سُمّيت بجيش حماة الأقصى، وأوكلت الجبهة الشمالية لقائد جيش التحرير/ الإنقاذ فوزي القاوقجي، الذي قاد قوة من المتطوعين المحليين والعرب، كما وجد قوات أخرى في الجبهة الجنوبية، وبالإضافة لهذه القوات وجدت قوات الحاميات التي اتبعت إما لقيادة اللجنة العسكرية العربية كما في حالة يافا وحيفا، أو إلى قادة القطاعات كما في القدس.

٦ - حدّثنا عن مخطط نسف المقرات والأهداف اليهودية.

بالإضافة للجهد التنظيمي قبل الحرب، عمد التنظيم العسكريّ الناشئ لتأسيس قاعدة بيانات أولية للمدن والمستعمرات الصهيونية، وامتدح طه الهاشمي أبرز قادة اللجنة العسكرية العربية في يومياته هذا الجهاد المنظم، انبثق عن هذه المعلومات ما أسماه الريماوي "نظام الأهداف"، وهي خطة عسكرية استهدفت نسف مجموعة من المواقع الصهيونية الرئيسية، وكان المفترض أن تكتمل الاستعدادات العسكرية لإنجاز هذه الخطة قبل بدء الحرب، لكن لم يوفق الحسيني في ذلك لأسباب مختلفة، جلها مرتبط بتأخر الترتيبات.

لكن لاحقًا، نجح الحسيني في منطقته في تحقيق بعض هذه الأهداف، فكانت عمليات مركزية استهدفت مواقع صهيونية أساسية في القدس، كنسف "البالستاين بوست" مطلع شباط/فبراير 1948، ونسف شارع بن يهودا في 22 شباط/فبرير، وكذلك نسف مقر الوكالة اليهودية يوم 11 آذار/مارس 1948، الذي كان يستهدف كما يبدو القائد الصهيوني الأبرز دافيد بن غوريون، وكما كتب المؤرخ الصهيوني أوري ميلشتاين مؤخرًا: "لو قدر أن يكون بن غوريون في مكتبه في ذلك اليوم لربما تغيير مصير الحرب عمومًا، ولربما ما قام الكيان".

٧ – لفتني خلال مطالعة الكتاب تواتر الحديث عن الدور السلبي للسلطة الأردنية بمختلف مكوناتها، هل كان قاسم الريماوي متحاملاً؟ أم أن الواقع كان كما أظهرته النصوص؟

اختلفت نصوص الريماوي حول الموقف الأردني، لاختلاف موقعه عند كتابتها، لكن تجمع نصوص المرحلة الأولى على قراءة الدور الأردني كدور سلبي، أنهى المقاتل الفلسطيني، ولم يمكّن أهل البلاد من إقامة أيّ كيان يمكّنهم من الإسهام في حرب التحرير لاحقًا. وبالتأكيد فإن الريماوي في بعض حديثه عن الأردن كان متحاملاً، إذ كان يقف موقفًا معاديًا نظرًا للخلاف السياسي الكبير بين الأردن وبين الهيئة العربية العليا ورئيسها. منع هذا الموقف الريماوي من الاعتراف بأثر المقاتل الأردني، الرسمي والشعبي، الإيجابيّ في المعارك وإسهامه في حفظ بقية القدس، خصوصًا بعد 18 أيار/مايو 1948.

٨ - لماذا لم تأخذ علاقة الريماوي مع المفتي الحسيني مداها الواسع كما أخذته مع القائد عبد القادر الحسيني؟

طبيعة نشاط الريماوي قبل وأثناء الحرب، تدفع لذلك، فالريماوي كان في الميدان، إلى جوار عبد القادر، ولم يكن ممن نشطوا في خارج فلسطين إلا في مرحلة متأخرة بعد إنهاء المقاتل الفلسطيني ولجوئه إلى مصر، فكان من الطبيعي أن يحضر عبد القادر الحسيني أكثر من حضور الحاج أمين. يضاف إلى ذلك أن جزء أساسي من هذه النصوص، كان مستلّات من مخطوط الريماوي عن الشهيد عبد القادر.

٩ - لم أرَ أثراً للبنان وجبل عامل تحديداً في نصوص الريماوي، لماذا برأيك؟

ربما أجبت عن هذا السؤال بشكل غير مباشر خلال الحديث عن تقسيم القوات في فلسطين خلال المرحلة الأولى من الحرب، فساحة الريماوي كانت المنطقة الوسطى، التي تتصل بشرقي الأردن، ولا تتصل في سوريا أو لبنان كما الجبهة الشمالية. مع التأكيد على وجود إشارات لدور لبناني سابق للحرب، عند حديث الريماوي عن إرسال السلاح من لبنان إلى فلسطين، حيث أشرف حسن سلامة في نقل شحنة سلاح من صيدا إلى شمالي فلسطين، بقوارب صغيرة، بالتعاون والتنسيق مع معروف سعد.

١٠ - حدّثنا عن معركة باب الواد وقصة ال ٨٠٠ قتيل صهيوني.

باب الواد من المناطق المركزية في حرب 1947-1949، كونها أحد بوابات القدس الرئيسية، وجزء أساسي من طريق يافا -القدس، أي الطريق الواصل بين أكبر تجمع سكاني صهيوني في السهل الساحلي، وفي جبال المنطقة الوسطى، أي بين ما كان يعرف بتل أبيب والقدس الغربية. خلال نيسان/أبريل 1948 أطلقت منظمة الهاغاناه سلسلة من العمليات العسكرية، التي استهدفت السيطرة على جوار القدس وطريقها لفك الحصار عن القدس الغربية، لكن معظم عملياتها منيت بفشل ذريع، سجل الريماوي بعض لحظات القتال المستميت في المنطقة، القتال الذي حفظ المنطقة لغاية دخول الجيش الأردني بعد 15 أيار/مايو 1948، الذي أفشل أيضًا عمليات صهيونية مختلفة استهدفت احتلال منطقة اللطرون وطريق باب الواد، وفشل الصهاينة في فك الحصار عن المدينة إلى أن استحدثوا طريقًا جديدة لاحقًا. أما الرقم فهو رقم مبالغ به، رغم حجم الخسائر الصهيونية الكبير في معارك القدس خلال هذه المرحلة، وهو جزء من تقديرات رقمية أوردها الريماوي في غير موضع، وكان جزء من اشتغالي في تحقيق النصوص، تدقيق الأرقام وتقديم روايات المختلفة عن المعارك، من مصادر عربية وكذلك مصادر استعمارية بريطانية وصهيونية.

"

كاتب لبناني