Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

إن ترك بريطانيا للاتحاد الأوروبي نهاية العام بأي شكل من الأشكال سيغير توازن القوى داخل الاتحاد الأوروبي بالكامل. يمكن لدول مثل بولندا والمجر، والتي بفضل حكوماتها اليمينية تركت مجال الديمقراطية وحكم القانون وراءها، أن تصبح لاعباً رئيساً وأساسيًا في مستقبل الاتحاد الأوروبي.

ستيفن كنابه

أي طريق لألمانيا؟

"

يبحث النظام السياسي الدولي عن توازن جديد. في عالم متعدد الآفاق يلوح في الأفق، ستضطر كل دولة للإجابة على سؤال واحد: في أي طريق سنمضي؟ في ألمانيا ثمة سؤال أيضاً: ما هو طريقنا؟

يشكل عام 2020 نقطة تحول كبرى في تاريخ السياسة الخارجية الألمانية. قبيل سنوات، تحديداً بعيد سقوط جدار برلين، بدأت عملية كبيرة لاكتشاف الذات على مستوى السياسية الخارجية. اليوم، يتم تكثيف هذه العملية وتسريعها بعيد صدمة ترامب و"بريكسيت" وكورونا. ثمة شعور كامن أحدثته الولايات المتحدة يشي بفقدان الاستقرار. يجب استبدال هذا الشعور بإرادة تطبيق سياسة خارجية مستقلة دون أي رغبات عدائية أو أطماع ذات صلة بالهيمنة. عام 2011 لخص وزير الخارجية البولندي السابق المطالب المتعلقة بالسياسة الخارجية الألمانية بالقول: "يجب على ألمانيا أن تقود الإصلاحات، دون أن تسعى إلى الهيمنة". وعندما سئل إذا كان يخشى دولة مجاورة قوية أجاب: خشيتي اليوم من القوة الألمانية أقل من خشيتي من التقاعس الألماني.

ثمة حاجة لنقاش الجوانب الأساسية للسياسة الخارجية الألمانية، كما والإجابة على سؤال مركزي يراود برلين: في أي طريق ينبغي لألمانيا أن تمضي؟

للإجابة على هذا السؤال، ينبغي على المرء أن يعرف المحددات الرئيسية الثلاثة للسياسة الخارجية الألمانية (الأمن عبر الأطلسي، التكامل الأوروبي، نظام الأمن الأوروبي) كما ينبغي أن يكون لدى المرء فكرة عن التغييرات فيما يتعلق بهذه المحددات.

مسألة الأمن عبر الأطلسي:

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الاندماج في الحلف الأطلسي أمراً ثابتاً في سياسات الحكومات الألمانية، ناهيك عن حاجة السكان الألمان للتواصل مع الولايات المتحدة على جميع الصعد. لكن الزمن تغير. أمريكا في نظر الألمان تفقد هيبتها وثقتها. وللمرة الأولى، فإن غالبية الألمان مستعدون لمضاعفة الإنفاق الدفاعي شريطة أن يمكّن ذلك ألمانيا من اتباع سياسة خارجية وأمنية أكثر استقلالية عن واشنطن. ومع ذلك، يبدي 40% فقط من الألمان إيجابية بشأن زيادة الإنفاق العسكري. إضافة إلى ذلك، ثمة جملة ذات أهمية كبيرة كانت المستشارة الألمانية قد عبرت عنها عند سؤالها عن الرئيس الأمريكي خلال مقابلة تلفزيونية. هي قالت: "أنا أعمل مع رؤساء العالم المختارين، وبالطبع مع الرئيس الأمريكي". من ناحية، أشارت ميركل إلى أن العلاقة بين ألمانيا وأميركا في حالة سيئة، والأكثر سوءاً التشارك في تنفيذ المهام، في ظل أهداف جدّ مختلفة. ومن ناحية أخرى، هي أكدت على أن أحد الجوانب المركزية للسياسة الخارجية الألمانية: سياسة الأبواب المفتوحة للجميع.

يشعر المجتمع الألماني بالرعب لرؤية الرئيس الأمريكي يتحدث ويدفع لتقسيم المجتمع إلى الحد الأقصى، بدلاً من العمل على تجسير أواصر المجتمع. وحتى لو كانت المعارضة داخل الحزب الجمهوري ذات أسماء بارزة حالياً، فإن القضية الأكثر أهمية هي ما سيأتي بعد انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر في الولايات المتحدة. إذ سيعني فوز ترامب بالانتخابات تعميق "أجندة ترامب" السياسية، وفتح السؤال واسعاً حول مدى تأثير نجاح ترامب على الديمقراطية والسلام الداخلي في أميركا، كما وحول السياسة الخارجية فيما يتعلق بالتعاون والسلام. وقد تتسبب خسارته الانتخابات بمشاكل أكثر من فوزه، إذ هل سيتراجع ترامب دون مقاومة؟ ساشا لوبو، الصحافي الألماني في دير شبيغل، حلل إجراءات ترامب في الأشهر القليلة الماضية ليخلص إلى أننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار استعداد ترامب للانقلاب. كيف يتصرف أتباعه العسكريون والمحيطون به؟ إن امتلاك قاعدته العديد من الأسلحة قد يحملها لخوض غمار حرب أهلية. علاوة على ذلك، هل ستكون هناك انتخابات بأي شكل من الأشكال؟ هل يمكن أن تكون كورونا عذراً مقنعاً للتأجيل؟

هذه ليست سوى بعض الأسئلة التي لا يمكن لأحد أن يجيب عليها. ولكن يمكن تلخيصها في نقطة مركزية وهي: ثمة حالة عدم اليقين. إن عدم اليقين أمر مضر لكل مستقبل مستدام. وفي الوقت الحاضر، من الصعب العثور على كلا الجانبين (اليقين أو الاستدامة) في قنوات السياسة الرسمية في أمريكا.

من المؤكد أن العلاقة بين أمريكا وألمانيا على وشك التغيير، وهو ما سيفتح الباب واسعاً أمام دول أخرى لعلاقات ألمانية عميقة معها، مع عدم استبعاد قضية الأمن عبر الأطلسي من قائمة الثوابت الألمانية.

التكامل والأمن الأوروبيين:

يسأل الناس عن سبب حرص ألمانيا على هذا الموضوع، ونادراً ما يشيرون إلى دستور ألمانيا. تمنح المادة 23 من الدستور الحكومة التفويض وصلاحية المشاركة في تنمية الاتحاد الأوروبي من خلال الديمقراطية والمبادئ الاجتماعية والفيديرالية، وصولاً إلى سيادة القانون... "منذ عام 1992، وعند إعادة كتابة هذه المادة بعد توحيد ألمانيا، أصبحت المادة 23 هدفاً وطنياً بغية توضيح رفض ألمانيا للرغبات العدائية والهيمنة السابقة التي وسمت سياسة ألمانيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ووفقًا للسياسة الخارجية الألمانية، يجب أن تأخذ القضايا الأوروبية في الاعتبار، كما يجب أن تتركز الكثير من الاهتمامات على التكامل الأوروبي. لكن بعض الظروف في السنوات العشر الماضية، كان من المحتمل أن تحرك مسار التكامل الأوروبي في اتجاه مختلف وكذلك الجهود الألمانية لتحقيق هذا الهدف.

في الوقت الحالي، هناك خطر أن يصل التكامل الأوروبي إلى موقف كامل قد يفسره التاريخ على أنه محاولة عبثية لتهدئة القارة. اسمحوا لي أن أوضح ذلك من خلال الأمثلة التالية، نظرًا لكمية الحقائق ودرجة التعقيد، لا يمكن اعتبارها سوى مقتطف.

بادئ ذي بدء، يجب التذكير بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. إن ترك بريطانيا للاتحاد الأوروبي نهاية العام بأي شكل من الأشكال سيغير توازن القوى داخل الاتحاد الأوروبي بالكامل. يمكن لدول مثل بولندا والمجر، والتي بفضل حكوماتها اليمينية تركت مجال الديمقراطية وحكم القانون وراءها، أن تصبح لاعباً رئيساً وأساسيًا في مستقبل الاتحاد الأوروبي. ستتضرر على وجه الخصوص العلاقات الألمانية - البولندية البعيدة عن المثالية. المطالب البولندية بتعويضات عن الحرب العالمية الثانية يمكن أن تسبب اضطرابات قوية بين الدول. وعلى الرغم من أن العديد من المعاهدات الدولية قد نظمت بالفعل دفع التعويضات ومسائل أخرى بالتفصيل، فإن الحكومة البولندية الحالية تعتبر هذه النقطة غير مكتملة وتستخدم هذه المسألة لإضفاء الشرعية على حكمها. الأمر نفسه يمكن أن نشهده بشكل متزايد في العديد من البلدان الأوروبية مثل المجر والنمسا التي ستطالب هي الأخرى بتعويضات عن الحرب. في حالة المجر، ستستخدم الحكومة أزمات اللاجئين لفرض الامتيازات التي تتجاوز إطار العقود الأوروبية. لقد أدت الاتجاهات السياسية الشعبوية، وخاصة في دول أوروبا الشرقية، إلى تفاقم الأزمات كما أدت بالفعل إلى انقسام الاتحاد الأوروبي.

يمكن للمشكلات المذكورة أعلاه أن تولد مستوى عالٍ من الاحتقان الذي سيُفضي لتفجر الاتحاد الأوروبي. ستتغذى هذه المشاكل أكثر مع تزامن التراجع الأميركي من أوروبا ومحاولات روسيا والصين توسيع مجال نفوذها في القارة.

لا حركة بدون حركة مضادة. العلاقة الألمانية الفرنسية مثل زواج هجين، فيه فترات جيدة وفيه أوقات سيئة. وقد اعترف البلدان بضرورة زيادة التعاون وأنه يجب إعادة النظر في مشروع الاتحاد الأوروبي. إن أزمة كورونا التي تم التفاوض عليها بين ألمانيا وفرنسا هي مثال على طريقة جديدة محتملة لتعزيز المنظور الأوروبي ولوضع المطامع الوطنية الخاصة جانباً. إن معضلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأزمة كورونا، وسياسات ترامب، كلها كحزمة كاملة تستدعي تنشيط اللغة الألمانية - الفرنسية لمعالجة الأزمات.

في مجال التكامل والأمن:

يظهر مسار محتمل يشير للعودة إلى الأيام التأسيس لأوروبا الحديثة في الخمسينات. يوم أسس الاتحاد الأوروبي الجماعة الاقتصادية الأوروبية، فرنسا وإيطاليا ودول البنولوكس (هولندا، بلجيكا، ولوكسمبورغ) وألمانيا. من منظور ألماني، لهذه الدول شيء مشترك. ثمة فضاء سياسي جامع لدول مثل إسبانيا والبرتغال والدول الاسكندنافية حيث سيكون التعاون الأعمق ممكنًا خارج الحدود التعاقدية الحالية للاتحاد الأوروبي. ولنتذكر أن الاتحاد الأوروبي لا يزال متحَداً اقتصادياً لا سياسياً. ومن أجل مواجهة تحديات المستقبل ثمة حاجة إلى اتحاد اقتصادي وسياسي.

كانت "القيادة وعدم الهيمنة" مطلب وزير الخارجية البولندي عام 2011. يتعين على ألمانيا قيادة عملية جديدة للتكامل الأوروبي ويجب عليها إجراء حوار مع جميع بلدان حوض الأبيض المتوسط. حسن الجوار هو شرط مسبق ضروري لإنجاح هذه العملية.

على هذا النحو، فإن الطريقة الألمانية لن تكون أبداً من خلال الحرب والهيمنة مرة أخرى. قد يستغرق طريق الحوار المزيد من الوقت ويؤدي إلى خيبة أمل كثيرة من قبل الحلفاء والشركاء من كل نوع. لكنه على المدى الطويل أكثر استدامة وأكثر تعزيزاً للاستقلالية. علينا التفكير في التغيير كعائلة بشرية لضمان التقدم، وتكافؤ الفرص والحياة الكريمة. سيبدأ هذا المسار بالطريقة التي نتعامل بها مع أول شخص نلتقي به في الصباح. "بغض النظر عما إذا كنت مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً. سواء كنت أبيضاً أو أسوداً أو أصفر اللون. لا يهم إذا كنت ألمانياً أو لبنانياً أو أميركياً. هذا هو الدرس الذي تعلمه معظم الألمان، للأسف لا تزال ثمة استثناءات هنا أيضاً.

"

كاتب وباحث ألماني