Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

ولد زيجمونت باومان في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1925 وتوفي في 9 كانون الثاني/ يناير من العام 2017. هو عالم اجتماع بولندي: بروفيسور في علم الاجتماع في جامعة ليدز (منذ عام 1990م وأستاذ متقاعد). عُرف باومان بتحليلاته للعلاقة بين الحداثة والهولوكوست، وأيضاً فيما يتعلق بالمذهبية المادية (الاستهلاكية) لما بعد الحداثة. صدر لباومان ما يقارب السبعة والخمسين كتاب ولديه أكثر من مائة مقال، وأغلب كتاباته كانت تحوي على مواضيع متشابهة مثل: العولمة، الحداثة وما بعد الحداثة، المادية (الاستهلاكية)، وعن النظام الأخلاقي في العصر الحالي.

غنى قصير

قراءة في كتاب "الحبُ السائل" عن هشاشة الروابط الإنسانيَة

المؤلف والكتاب في كلمة:

ولد زيجمونت باومان في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1925 وتوفي في 9 كانون الثاني/ يناير من العام 2017. هو عالم اجتماع بولندي: بروفيسور في علم الاجتماع في جامعة ليدز (منذ عام 1990م وأستاذ متقاعد). عُرف باومان بتحليلاته للعلاقة بين الحداثة والهولوكوست، وأيضاً فيما يتعلق بالمذهبية المادية (الاستهلاكية) لما بعد الحداثة. صدر لباومان ما يقارب السبعة والخمسين كتاب ولديه أكثر من مائة مقال، وأغلب كتاباته كانت تحوي على مواضيع متشابهة مثل: العولمة، الحداثة وما بعد الحداثة، المادية (الاستهلاكية)، وعن النظام الأخلاقي في العصر الحالي.

أما كتاب الحب السائل (عن هشاشة الروابط الإنسانية)، فيُعد من ضمن مجموعة السوائل الثلاث التي كتبها باومان، والتي ينطلق فيها من تقسيم صورة المجتمع القديمة الصلبة الراسخة المبادئ والأخلاقيات صاحبة اللُحمة التي يصعب فكاكها من حيث العاطفة والحب وعلاقات القرابة، لتختزلها الحداثة وتجسدها في فرد. يحلل باومان الأفراد وطريقة تبدل المفاهيم التي تحمل نفس المسميات بغير وظيفة، وهنا نراه يتكلم عن الإنسان الجديد المعاصر، الذي تحتمل كل علاقاته مهما كانت قريبة الاستبدال، في كافة المجالات الحياتية ـ من علاقات انسانية كالحب والعائلة مروراً بالعلاقات المهنية والإقتصادية وصولاً إلى السياسة الحاكمة للنظم الكونية. وبهذا يحرر الفرد من عبء أخلاقيات العلاقات الإنسانية بالدرجة الأولى ويفتح الباب على مصراعيه للخيارات السهلة المعلبة البديلة ذات الأثمان البخسة والتي لا تترك ندوب.

الصورة الهدف للكتاب والمحتوى:

أراد الكاتب من كتابه "الحب السائل" إعادة رسم الصورة المجتمعية الحديثة بطريقة فلسفية واقعية تقرأ كافة المتغيرات التي تحدث للفرد في العالم المعاصر الحديث، ومما لا شك فيه أنه قصد تبيان الصورة التي يعتبرها العلماء أصحاب المدارس الكلاسيكية في علم الإجتماع أنها صورة مجتمع مهمش الصلات وبعيد عن جوهر السمة الإنسانية وهدفها الأساسي في الحياة -على أنها صورة طبيعية - ضمن مسار منطقي لتغير وجه العالم الذي استدخلت اليه ثقافة الاستهلاك السريع والعلاقات الإنسانية المتحررة من قيود وأعباء الأخلاقيات التي تشيد بالمنطومات المقدسة كالأسرة والأبناء وعلاقات الحب والتزاوج خاصة تلك الطويلة الأمد، بل وتناول تفسير ارتداد التعلق هذه المعايير البالية على صحة الأفراد النفسية والتي تجعلهم أسرى لتجارب محدودة وأشخاص، تفوتهم فرص أخرى لا يحظون بنعمة تجربتها بسبب الوعود الأزلية في الثقافة الإجتماعية المخلصة لتقديس الصلات بما يرافقها من قيود وقوالب، ولذلك نراه قد فصل الحب عن الرغبة والجنس عن التكاثر أو "العلاقات الصافية".

 

وقد تطرَق باومان في كتابه إلى الإقتصاد الأخلاقي في مواجهة إقتصاد السوق، وأبرز كيف أن السياسات العالمية هي التي جعلت الأخير دستوراً قائماً ومعياراً لشعور المواطنون بالسعادة من حيث تبادل النقود وصرفها ليصبحوا إستهلاكيين، قادرين على سد عجزهم وجوعهم النفسي وخواء وحدتهم بالتمركز المرضي حول الذات، متغطين برداء البحبوحة الباذخة، ليسقط أمام هذا السوق الوحش الإنسان القديم ويحل مكانه "إنسان الحداثة الباكرة".

 

ولعلَ أهم ما جاء في كتب باومان كحقيقة حسيَة هو فكرة تفكيك المجتمعات، وجعل الإنسان مرة أخرى متفرداً بذاته وحياته في عصر العولمة، صاباً جل إهتمامه على توفير أمانه المادي وسيرورة حياته الإستهلاكية ذات النمط "الخفيف النظيف" من حيث اتباعه لأنظمة جديدة في التحكم بالأنا ضمن العلاقات البشرية، وكسفينة يُسقط عنها كافة الحمولات "الأخلاقية" الزائدة والتي تثقل كاهله وتجعله " مُمَكنناً" مبرمجاً لخلق المشاريع والنقود ومسايرة الحياة الآلة وقليلاً قليلاً تُسقط رداء الإنسان "الفطري" عنه.

 

يختم باومان بأن إنساننا الحديث، الهارب من الفضاءات الإجتماعية والخائف من الإختلاط الاجتماعي لسبب أصبح مزروعاً في وعيه الذاتي - وهو عدم الغوص في علاقات متلاحمة، لما فيها من فلسفة معقدة وذات مبادىء باهظة الأثمان، وهو ما قرر أنه لن يستثمر مجهوده النفسي والمادي الحسي فيه- أنه فعلياً خرج من دائرة ديمومة وصلابة العلاقات والروابط، وهو ما فرضته عليه السياسات الإستهلاكَية وتنامي الإحتياجات وتغيرها ومجاراة تغيرها وأصبح إنساناً هشاً سائلاً ذو ندوب عاطفيَة ونفسية، وذو نفسٍ بشرية عارية من الملامح البشريَة، وفضاءاً بارداً في مضمونه بعيد عن الأنسنة في محتواه.

اختصاصية في التربية المبكرة للأطفال