في أيّار من عام 1948, قال أحد مؤسسي الكيان الصهيوني دايفيد بن غوريون: "يجب أن نحضر للهجوم بهدف تحطيم لبنان, الأردن وسوريا. فالنظام الاسلامي (يقصد العالم الاسلامي) هو مصطنع وسهل تقويضه. يجب تأسيس دولة مسيحية (في لبنان), حدودها الليطاني جنوباً. سوف نتحالف معها" (مولز 2007).
متصهين بريطاني للبناني: سنسحقكم في أقرب فرصة
في أيّار من عام 1948، قال أحد مؤسسي الكيان الصهيوني دايفيد بن غوريون: "يجب أن نحضر للهجوم بهدف تحطيم لبنان، الأردن وسوريا. فالنظام الاسلامي (يقصد العالم الاسلامي) هو مصطنع وسهل تقويضه. يجب تأسيس دولة مسيحية (في لبنان)، حدودها الليطاني جنوباً. سوف نتحالف معها" (مولز 2007).
وفي حزيران من السنة الجارية، صرّح وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي متوعّداً: "نحن جاهزون للمعركة، وإذا لزم الامر سنسير مرة أخرى إلى بيروت وصيدا وصور".
***
صباح يوم 24 شباط الماضي، استيقظ طلاب جامعة مانشستر البريطانية على كتابات فوق جدران عديدة داخل حرم الجامعة وقد كُتب عليها بخط كبير "إسرائيل = دولة فصل عنصري". وقف شاب صغير السّن أمام تلك المخطوطات تعتلي رأسه الكيباه اليهودية واضعاً يافطة أمامه مكتوب عليها: "إذا كنت شغوفاً بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، فعلينا أن نتحدّث". ولأنني لبناني جنوبي، وبطبيعة الحال، شغوف كثيراً بقضية فلسطين، وبالصراع مع "إسرائيل"، تحمّست للحديث معه بعد التأكد من أنه ليس إسرائيليّا منعاً للتطبيع. وبالفعل، اقتربت منه بينما كان يتحدّث مع شاب آخر بإنكيليزية بريطانية طليقة، قاطعتهما باحترام وسألته إن كان بريطانيا، فأجاب بنعم، واسمه آدم ويدرس الرياضيات في الجامعة.
بينما كان يتحدّث مع الشاب الآخر، اتضح أنّه يبرّر لما حصل من اغتصاب لفلسطين من خلال السرديّة الدينية الصهيونية المتردّدة. عندها استشهدت بكتاب ديفيد هيرست (1985) "البندقية وغصن الزيتون: جذور الصراع في الشرق الأوسط" وسألته عن نظرته الدينية والأخلاقية لاحتلال فلسطين عام 1948 وما تلاها من إرهاب صهيوني وتطهير عرقي وتهجير. فرد قائلاً أنّ هذا الأسلوب لم يكن صحيحاً وإنما كان الخيار الوحيد لتحقيق الواجب الديني بقيام "دولة إسرائيل". ولم يكتف عند هذا الحد، بل لسخرية القدر، قال لي أنه يعتبر أميركا دولة إمبرياليّة. هنا ظننت أنّنا قد نتفق على شيء. لكن المفارقة أنه يعتبرها إمبريالية لأنها اعترفت بكيانات لبنان وسوريا والعراق، أي أنّها "قسّمت دولة إسرائيل الكبرى" كما عبّر. عندها قلت له أنّني من لبنان. فرحّب بذلك "لسخرية القدر". سألته “إذا ما كنتم تعتبرون لبنان أرضكم ويجب عليكم دينيّاً استرجاعه بأي ثمن؟". فقال نعم. عندها قلت له "إذا نحن (أقصد لبنان والعدو) محكومين بالحرب". فأجاب بنعم، مع ابتسامة وقحة. بعدها بقليل، ودّعته وإنتهى الحديث".
ظل ما قاله هذا الفتى يجول في عقلي. وبدأت بمراجعة ما قاله والتفكير به. الشاب قال لي حرفياً أنّنا سنظل نحاول أن نفعل بكم ما فعلناه بالفلسطينيين. وأنّ هذا أمر ديني يجب السّعي إليه دائماً ولو كانت الوسيلة هي التطهير العرقي والتهجير. ولم يحدد أطماعه التوسعية في منطقة ما يا دعاة الحياد والسلام والتطبيع. بل أكّد أن لبنان، كل لبنان، هي أرضهم وملكهم وأنهم سيشنّون حرباً على اللبنانيين مجدداً عندما تسنح الظروف بذلك. بالمختصر، إن إحتلال لبنان لتأسيس "إسرائيل الكبرى" أمر ديني لا يمكن للصهاينة الحياد عنه.
هذه الخلاصة دفعتني إلى البحث في الفكر والأيديلوجيا الصهيونية عن "إسرائيل الكبرى" وموقع لبنان فيها من يمينها العلماني والديني إلى يسارها الاشتراكي. وإستندت الى كتاب نور مصالحة "إسرائيل الامبريالية والفلسطينيون: سياسة التوسّع (2000)" بشكل خاص في المعلومات التي سترد أدناه.
في الخلاصة، لا فرق بين اليمين واليسارالإسرائيلي سوى أنّ الأول أوقح من الثاني إعلامياً بما يخص "إسرائيل الكبرى" ولبنان. اليسارالإسرائيلي يقدّم ذرائع وسرديات سياسية وايديلوجيا "للتوسّع". لكن الإثنان يتفقان على أن تأسيس "إسرائيل الكبرى" واحتلال لبنان، أو بالحد الأدنى الوصول إلى الليطاني كأضعف الايمان، هو خطوة أولى في سبيل "إسرائيل الكبرى". أما العلمانيين اليمنيين، فينظّرون للتوسّع من خلال ضرورات استراتيجية لا علاقة لها بالدين. بالمحصّلة، إن لم يكن كل الصهاينة، فإنّ الأعم الاغلب منهم ينظّرون "لإسرائيل الكبرى" واحتلال لبنان كضرورة من ضرورات المشروع.
بدءًا من الحزب الأكبر في "إسرائيل"، أي الليكود، والذي أسسه القائد السابق لمنظّمة "إرغون" المسلحة الصهيونية مناحيم بيغين، فإن تأسيس "إسرائيل الكبرى" هو أحد أعمدة الفكر الأساسية التي ينبغي على إسرائيل السعي لها. يذكر مصالحة (2000) أن الليكود بقي حتى عام 1999 يتّبع فكر ومبادئ زئيف جابوتنسكي مؤسّس "الهجاناه" المجرمة التي شكلت نواة الجيش الاسرائيلي عام 1948. أما حركة "غوش أمينوم" المتديّنة المتطرفة، فهي تستخدم ما ورد في العهد القديم (التوراة) في سفر التكوين (آية 15) من العهد القديم كعنوان لتأسيس إسرائيل الكبرى: "في ذلك اليوم قطع الرب مع أبراهام ميثاقاً قائلاً: لنسلِك أُعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات". فمثلاً، يهودا إلتزر، أحد الشخصيات المؤثرة في الحركة، كان ينظر الى أن حدود "إسرائيل الكبرى" هي ما ورد في الآية المذكورة باستثناء وسط وشرق سوريا ولكن بزيادة جنوب تركيا ودلتا النيل الذي يشمل المنطقة الممتدة من الإسكندرية إلى بور سعيد.
يقوم الصهاينة باستغلال العهد القديم لاضفاء مشروعية لمآربهم التوسعية والاستيطانية. فبن غوريون يقول: “الإنجيل صك ملكية مقدس لليهود في فلسطين .. مع نسب يرجع لثلاثة آلاف وخمسمئة عام" (مصالحة 2000، ص.3). تعتمد السرديات الصهيونية على ما ورد في سفري التكوين والخروج في العهد القديم، وكذلك على نزول بني اسرائيل في أرض كنعان وتوريثها للقبائل الإثني عشر من بني يعقوب بعد "تيههم في الصّحاري" قبل إنشائهم مملكتي داوود وسليمان.[1]
أما التيار العلماني، فينادي هو الآخر باحتلال كل الشرق الأوسط العربي. يمكننا أن نجد مثل هذه الأدبيات في ثقافة حزبي "تحية" و"تسوميت". المفارقة، حزب "تحية" نشأ على وقع رفض توقيع معاهدة كامب دايفيد وإرجاع سيناء لمصر، و"تسوميت" تأسس من 1300 ناشط من حزب العمال الاسرائيلي.
في كتاب اليساري الاشتراكي تسيفي شيلواه "أرض عظيمة لشعب عظيم (1970)"، ينظّر الكاتب الإسرائيلي إلى قيام فيدراليتين، واحدة إسرائيلية تضم جنوب سوريا ولبنان حتى الليطاني، وكذلك الأردن والكويت وشرق وغرب العراق، وتكون متفوّقة على كافة الصّعد. والثانية عربية ضعيفة ومتخلفة تحتاج وتعتمد على الأولى. شيلواه كان ينادي بنقل لبنانيي جنوب الليطاني إلى مناطق أخرى. شيلواه، ينظّر لتقسيم إثني وطائفي لغرب آسيا (الشرق الأوسط) بنحو “يضمحل معه لبنان” (مصالحة 2000، ص 50) كما يقول حرفياً. كجنوبي؛ "من جنوب الليطاني"، أقول له: "فشرت".
وللبنان وجنوبه بالأخص حصّة وفيرة من اهتمام التيارات الصهيونية كلها حتى منذ ما قبل تأسيس الكيان. ففي مؤتمر باريس للسلام عام 1919، طالب رئيس الوفد الصهيوني آنذاك حاييم ويزمان، والذي كان أول رئيس لـ"دولة إسرائيل"، بأن يشمل الإنتداب البريطاني "فلسطين الموسّعة” (مصالحة 2000، ص 6)، كما قال حرفياً "لسخرية القدر"، جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، وكذلك إلى خط قطارات الحجاز شرقاً. عالم الفيزياء والعلوم العسكرية الإسرائيلي الشهير "يوفال نئمان" مؤسس حزب "تحية"، طالب حرفياً بإحتلال جنوب لبنان والإستفادة من مياه الليطاني. حتى في مذكرات رئيس وزراء إسرائيل الثاني موشيه شاريت، هو الآخر أكد عام 1954 أنّه يجب استغلال انقلابات سورية آنذاك لتقسيم لبنان وخلق دولة مسيحية به تكون "دمية" (مصالحة 2000، ص. 12) لـ"إسرائيل" كما ذكر حرفياً يا غبطة البطريرك الراعي. العديد من الشخصيات الإسرائيلية الأخرى ذكرت الليطاني بالإسم ودعت للسيطرة عليه مثل شيلواه المذكورأعلاه والحاخام الاسرائيلي الشهير "شلومو أفينر".
ختاماً، تكثر الشواهد على نية الإسرائيليين وأطماعهم في لبنان. يقول عضو مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا هارولد ساندرز عام 1982: "صُمم الإجتياح الإسرائيلي ليكسر أي مقاومة أخيرة للسّيطرة الإسرائيليّة الكاملة وليمهّد الطريق ليجعل الحياة صعبة كثيراً لأولئك الذين يقدرون حريتهم وحرية تعبيرهم السياسي" (مصالحة 2000، ص 84). ولكن لم يحسب ساندرز أن ذاك الاجتياح سيطلق العد العكسي لزوال إسرائيل، والأيّام بيننا.
[1] ينفي بروفيسورعلم الآثار والدراسات التاريخية القديمة في جامعة تل أبيب زييف هرتزوغ كل ما ذكر بناء على عقود من الحفريات في فلسطين المحتلة لإيجاد أدلة لتلك الحوادث من دون أي نتيجة. لا بل يذهب هرتزوغ بعيداً في اعتقاده أن "بني إسرائيل" أسطورة بحد ذاتها.
Related Posts
كاتب وباحث لبناني من بريطانيا