Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

يعود نشاط إيران في العمل على المسيّرات إلى بدايات مرحلة الحرب الإيرانية العراقية. عام 1985، قاد قاسم سليماني (وكان في وقتها مسؤول فيلق ثار الله - الفيلق 41) رجاله وسط الممرات المائية على جبهة الفاو مع مجموعة من المقاتلين المختصين في مجال الطائرات المسيّرة. تم تنفيذ تسعمائة وأربعين مهمة جوّية من قِبل الفيلق، والتُقطت 54 ألف صورة.

هيئة التحرير

مشروع إيران للطائرات المسيرة؛ القصة الكاملة

يعود نشاط إيران في العمل على المسيّرات إلى بدايات مرحلة الحرب الإيرانية العراقية. عام 1985، قاد قاسم سليماني (وكان في وقتها مسؤول فيلق ثار الله - الفيلق 41) رجاله وسط الممرات المائية على جبهة الفاو مع مجموعة من المقاتلين المختصين في مجال الطائرات المسيّرة. تم تنفيذ تسعمائة وأربعين مهمة جوّية من قِبل الفيلق، والتُقطت 54 ألف صورة. إلا أن الجيل الأول من قادة الحرس عانى من فقر الكفاءة في الاستخدام، وعدم وضوح الرؤية النهائية لفعالية هذه المسيّرات.

ومع ذلك، ومنذ منتصف الثمانينيات، كان خط إنتاج هذا النوع من التقنية غير مهمل. فابتكرت إيران مسيّرة مهاجر وتم إطلاقها أول مرة عام 1985. تبع مهاجر، مسيرة "أبابيل" عام 1986. لم تكن الشركة التي صنعت أبابيل في الحقيقة غير مصنع "Textron" الذي صنّع مروحيات Bell قبل الثورة. كانت أبابيل أشبه بصاروخ كروز، تطلق بواسطة مقلاع على شاحنة. تبعها "أبابيل – 2" في التسعينيات، ثم "أبابيل تي" ثنائية الذيل مطلع الألفية الجديدة.

اعتمد برنامج الطائرات المسيرة الإيرانية بشكل كبير على تصميمات الثمانينيات، بما في ذلك "IAI Scout" الإسرائيلية والـ"AAI RQ-2 Pioneer" التي استخدمتها الولايات المتحدة في الخليج منذ عام 1991. يرجح الخبراء في معهد أتلانتا أن تقنيات إسرائيلية كانت قد تسربت إلى إيران، من جنوب إفريقيا، بعد قيام تل أبيب بالإشراف على مشروع المسيرات الجنوب أفريقي، أوائل التسعينيات، من خلال تصنيع طائرة " دينيل ديناميك سيكر - Denel Dynamics Seeker" حيث تمكنت إيران من استنساخ سيكر في مسيّرة "أبابيل-3".[1]

ومن المحتمل كذلك، أن تكون إيران قد اكتسبت نظرة ثاقبة للطائرات بدون طيار من خلال اثنتين من الطائرات التي أُسقطت في العراق خلال حرب الخليج الثانية عام 1991، أو من خلال حرب المسيرات التي أُسقطت في كوسوفو عام 1999.

بالعموم، لم تكن مشكلة إيران في الاعتماد على المخططات أو التصاميم القديمة، بقدر ما كانت مشكلتها في محاولة تعزيز قدرة مسيراتها على حمل الأوزان وإطالة أمد التحليق، إجراء المسوحات عالية التقنية من خلال نظم الاتصالات والمراقبة الآمن. يعود ذلك بشكل رئيس للحصار المفروض على إيران، وعدم تمكن الإيرانيين من الوصول إلى التكنولوجيا المثيلة لصناعات التكنولولجيا الفائقة في الولايات المتحدة و"إسرائيل". ففي التصميم، كل المسيّرات متشابهة، من "سيكر" الجنوب أفريقية، إلى المهاجر الإيرانية، و"البوينير – Pioneer" الأميركية، بأجنحة طويلة وذيل مزدوج وفقاعة للبصريات الكهربائية في المقدمة. الإشكالية هي دائماً في ما يحتويه هذا الشكل.

في السنوات الأخيرة، تمكّنت إيران من الوصول إلى حطام عدد من الطائرات المسيرة في سوريا واليمن. فحصل أمير علي حاجي ‌زاده (قائد القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري) بين عامي 2011 و2020، على حطام طائرة الـ"آر كيو سنتينالRQ 170 Sentinel"، و"أم كيو البريداتورMQ Predator" و" إم كيو-9 ريبر- Reaper" و"ScanEagle5"، وحتى على حطام "إيلبيت هيرمس - Elbit Hermes" إسرائيلية الصنع في كل من العراق وسوريا وإيران.

وعلى الدوام، كانت طهران تبث مشاهد من الطائرات المُسقطة. عام 2014، عرضت إيران مقاطع فيديو التقطت من طائرات بدون طيار، بعد اختراق الحرس الثوري موجات الاتصال الخاصة بالطائرات. آنذاك، قال خبراء لصحيفة جيروزاليم بوست إن الحطام الذي أظهرته إيران يعود لطائرة من طراز هيرميس 180 أو 450. وبهمة من أمير علي حاجي زاده، لن تسقط إيران فقط الحارس الشبح "RQ 170 Sentinel"، ولكن أيضاً جلوبال هوك 4 سنة 2019. 

ومنذ ذلك الحين، قامت إيران ببناء مجموعة متنوعة من الطائرات بدون طيار بأسماء مثل ياسر، هدهد، روهام، صرير، رعد، وحازم. تم تصميم الكثير من هذا للتجربة والتباهي بمخزون كبير. في ربيع عام 2020، أشار العقيد الإيراني أكبر كريملو في حديث لشبكة أخبار تسنيم، إلى أن قيادة الطائرات بدون طيار التابعة للحرس الثوري الإيراني تعمل على زيادة قدرات الاتصالات بشكل سريع. وقال إن المسيرات الإيرانية تتقدم في تقنيات التصوير وأنظمة المعلومات الجغرافية وحجم نطاقات العمل إلى ما يزيد عن المئة كيلومتر. كان في حديثه غالباً ما يشير إلى أبابيل3، ومهاجر6، وشاهد149.

على المدى القريب، كان هدف إيران بعد إنشاء قوة المسيرات هو استخدامها لمضايقة أعدائها في قوس البلدان التي أرادت إظهار نفوذها فيها، بدءًا من "الخارج القريب" في العراق، وصولاً إلى سوريا ولبنان واليمن والسودان وغزة وأفغانستان. شهد خليج عمان آنذاك تحليق طائرات إيرانية بدون طيار. واستفادت طهران من أميركا المُتعبة. حاول الإيرانيون آنذاك، إطلاق دوريات جوية قتالية دائمة في جميع أنحاء العالم من خلال وجود طائرات بدون طيار في الجو لمدة 24 ساعة يومياً في حوالي 240 موقعاً. كان بإمكان الأميركيين مراقبة حوالي ستين دورية من تلك الدوريات الجوية القتالية، وهذه بحد ذاتها، كانت مشكلة كبيرة للأميركيين.

ولكسر الأمريكيين، أنشأت إيران شبكة من قواعد الطائرات بدون طيار على طول مضيق هرمز. في جزيرة قشم، بالقرب من بندر عباس، وميناء بندر جاسك، وكذلك في ميناب وكوناراك. في كوناراك، ستؤسس إيران نظام مسيراتها الجديد شاهد 129، وعلى غرار "إم كيو-1 بريداتور MQ-1 Predator" كانت طائرات "أبابيل 3" تطير من ميناب وبندر عباس بداية من عام 2010. ثم من مهبط في جاكيجور سنة 2015، وصولاً إلى انطلاقها من قاعدة "T-4" في محافظة حمص السورية.

مطلع عام 2016، كانت إيران قد أصبحت أكثر جرأة، عندما أرسلت طائرة بدون طيار لتحلق فوق حاملتي الطائرات هاري ترومان وشارل ديغول. كانت طهران تشعر أنها الرابح الأكبر في الشرق الأوسط. فعاودت طلعاتها التحليقية مرة أخرى فوق حاملة طائرات أميركية في كانون الثاني/ ديسمبر 2016، وفوق حاملة الطائرات نيميتز في آب/أغسطس 2017، وفوق يو إس إس أيزنهاور في نيسان/ أبريل 2019.

بحلول شهر تموز/ يوليو من العام 2019، كانت مسيرات إيرانية تحلق فوق "يو إس إس بوكسر" عندما بدأ الأمريكيون في التشويش عليها في الخليج. كانت المشكلة الأكبر التي تواجه الأميركيين وحلفاءهم، أنه لم يكن هناك من دفاع سهل ضد المسيرات الإيرانية.

اليوم، تطورت التجربة الإيرانية مع الطائرات بدون طيار بشكل كبير. مع التكنولولجيا الإيرانية في كل من غزة، اليمن، لبنان، سوريا، والعراق، باتت إيران قوة متصاعدة في مجال الطائرات بدون طيار في المنطقة أقله. وهو ما ظهر في استهداف الإيرانيين (ولو من خلال أذرعهم) لشركة أرامكو في أيلول/ سبتمبر 2019، وفي الهجوم الذي شنه الحوثيون ضد ناقلة نفط قبالة سواحل عمان في تموز/ يوليو 2022، وهجوم التنف في تشرين الأول/ أكتوبر 2022. المفارقة بالنسبة لهذه الهجومات الثلاثة كانت في ما كشفته من إمكانات جديدة لناحية التشفير، المدى، وبرمجة الأهداف المتحركة، كما وباستخدام العديد من الطائرات في وقت واحد. لقد أصبح برنامج المسيرات الإيراني وتأثيره في جميع أنحاء الشرق الأوسط أكثر حدة، وسيحتاج صانعو السياسة إلى أخذ ذلك في الاعتبار أثناء نظرهم في المواقف الدفاعية والمناقشات مع دول المنطقة المتأثرة بالطائرات بدون طيار الإيرانية.


[1]"أبابيل-3" تم تطويرها عام 2006 ويبلغ مداها 100 كيلومتر، بسرعة 200 كيلومتر في الساعة. تطير هذه المسيرة لمدة أربع ساعات. وتم تصنيع عدة مئات منها بحلول الـ2019.

 

صحيفة الخندق