تواجه الولايات المتحدة مسؤوليات كبرى. نظراً للتكاليف الكبيرة لإشراك الولايات المتحدة في القتال، والمجموعة المتزايدة من الأدوات غير المباشرة وغير العسكرية المتاحة لخصومها، بات الخصوم يبحثون عن طرق لتحقيق مكاسب نسبية دون الوصوصل إلى حدّ التصعيد؛ من الأخبار الكاذبة والتصيّد عبر الإنترنت، إلى تمويل الإرهاب والاستفزازات شبه العسكرية. وغالباً ما تكمن هذه الأساليب في الساحة المتنازع عليها في مكان ما بين الحكم الروتيني والحرب المفتوحة - "المنطقة الرمادية".
المنطقة الرمادية والاستراتيجيات الأميركية (الجزء الأول)
هذا النص، هو ترجمة لتقدير الموقف الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن قبل عامين. وتكمن أهميته في تقديمه للتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في مواجهة كل من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية فضلاً عن الجهات الفاعلة غير الحكومية/ الدولتيّة. فالولايات المتحدة مسؤوليات كبرى بحسب معدي (التقرير/ تقدير الموقف). نظراً لتجنب التكاليف الكبيرة للاشتراك في القتال، والمجموعة المتزايدة من الأدوات غير المباشرة وغير العسكرية المتاحة لخصومها، بات الخصوم يبحثون عن طرق لتحقيق مكاسب نسبية دون الوصوصل إلى حدّ التصعيد؛ من الأخبار الكاذبة والتصيّد عبر الإنترنت، إلى تمويل الإرهاب والاستفزازات شبه العسكرية. وغالباً ما تكمن هذه الأساليب في الساحة المتنازع عليها في مكان ما بين الحكم الروتيني والحرب المفتوحة - "المنطقة الرمادية".
وبحسب الخبراء في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، CSIS، فإن المنافسة في المنطقة الرمادية لا تزال مربكة بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة وتخطيطها ومزامنتها، على الرغم من ثراء المزايا للأخيرة. لذا قام برنامج الأمن الدولي التابع لـ CSIS بتحليل هذه التهديدات، ووضع استراتيجية تمكّن الولايات المتحدة من ردع نهج المنطقة الرمادية الذي تشارك فيه كل من الصين وروسيا وإيران وكوريا. علماً أن كثيراً من التوصيات المقترحة، معتمدة من قبل الولايات المتحدة في أكثر من دولة من خارج دول "المنطقة الرمادية" الآنفة الذكر.
*النص ترجمة: محمد حسين عساف[1]
مقدمة:
تلعب المنافسة الجيوسياسية دوراً متزايداً في الفضاء يتجاوز الدبلوماسية والحرب التقليدية ويشار إليها أحياناً بـ"المنطقة الرمادية" بحيث تجبر طبيعة هذه المنافسة الولايات المتحدة على تحسين قدراتها. يقيِّم هذا التقرير الإجراءات الحالية التي تتخذها الحكومة الأميركية لردع تهديدات المنطقة الرمادية التي يقوم بها المنافسين وكيفية مكافحتها والرد عليها من خلال الحملة. باستخدام خطة الحملة التي تم وضعها في الجزء الأول من تقرير "بالوسائل الأخرى" الهادفة إلى تنمية القدرات الأميركية ومعالجة اختلالاتها لتحسين الأمن القومي للولايات المتحدة في ظل وجود نهج المنطقة الرمادية.
تعريف سياسات المنطقة الرمادية:
هي عبارة عن جهد أو سلسلة من الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف أمنية على حساب المنافسين باستخدام أساليب تقع بين فن الحكم الروتيني والحرب العسكرية المفتوحة، فعند الانخراط في نهج المنطقة الرمادية تتجنب الجهات الفاعلة الحرب المفتوحة.
أهداف التقرير:
يهدف التقرير إلى تقديم توصيات لإجراء تعديلات أولوية على أدوات وسلطات وسياسات ومنظمات الأمن القومي اللازمة لتنفيذ إطار الحملة (التي تم اعدادها في الدراسة الأولى) وتحسين وضع الولايات المتحدة لاستباق التحديات التي يقوم بها المنافسون في المنطقة الرمادية والرد عليها.
الخطوط العريضة:
1) القيام بحملة دينامية على غرار الجهود القائمة على المصالح.
• حماية المبادئ الدستورية للولايات المتحدة وطريقة الحياة الأميركية.
• تعزيز الحيوية الاقتصادية للأمة
• تعزيز نفوذ أميركا في الخارج
2) التوصيات ذات الأولوية لتعزيز حملة الحكومة الأميركية
العمل الاستراتيجي والرقابة:
بناء القوة الأميركية ومعرفة توقيت استخدامها وتسريع عملية اتخاذ القرارات الصائبة لتحسين الإشارات وإدارة المخاطر.
• إصدار قرار رئاسي توجيهي خاص بالمنطقة الرمادية يحدد نهج الحملة الديناميكية وعناصر السلطة التنفيذية الداعمة الموضحة هنا.
• تعيين مدير أول لمجلس الأمن القومي إلى جانب فرقة عمل عمليات المخابرات الداعمة وآلية التنسيق بين الوكالات العليا ليقوموا بتوجيه الجهود.
• تبرهن قيادة الكونجرس عن قدراتها الريادية في تبادل المعلومات وايجاد حلول بشأن القضايا التي تتجاوز عمل اللجان المتعددة.
• زيادة عدد اعضاء فريق عمل الأمن القومي المكوَّن من الحزبين في مجلس الشيوخ لتعزيز التمثيل والروابط بين لجان الأمن الداخلي والخارجية والدفاع.
• إنشاء مجموعة عمل خاصة بالأمن القومي في مجلس النواب تعمل على نحو مماثل ومزوَّدة بموظفين وموارد.
• تعيين ضابط استخبارات وطني معني بمشاركة معلومات حول التهديدات المتعلقة بالمنطقة الرمادية والاستفادة من المركز الوطني لمكافحة الإرهاب ومركز تكامل استخبارات التهديد السيبراني والهيئات الأخرى المشابهة.
• تنشيط "فريق العمل المعني باتخاذ التدابير الفعالة" الذي يركز على العمل السرّي في تنظيم الحملة.
الاتصالات الاستراتيجية والسرد:
•تحديد المعلومات على أنها حيزاً مهمّاً في إدارة الدولة وتعيين كبير مديري مجلس الأمن القومي للمنطقة الرمادية لقيادة جهود التنسيق عبر مجالات الاتصال المحلية والدولية.
• زيادة الاستثمارات والتوقّعات في السرد الاستراتيجي المحلي (وزارة الأمن الداخلي) والخارجية (وزارة الخارجية) وتقارير المعلومات المضلّلة.
• تحسين آليات الإبلاغ التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي في القطاع الخاص والجامعات والحملات السياسية وعامة الجمهور لتمكينهم من الوصول إلى الخطوط الساخنة وإعلانات الخدمة العامة في حالة وجود تهديدات.
الادوات:
تبيّن استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 واستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 أن المنافسة ضد الدول القومية القوية ستصبح سمة أساسية من سمات المشهد الأمني للولايات المتحدة في المستقبل المنظور. تتراوح الأدوات القسرية التي يستخدمها المنافسون بين التضليل والهجومات الالكترونية وتمويل الإرهاب والاستفزازات شبه العسكرية التي تقع دون عتبة الصراع العسكري التقليدي.
أدوات المنطقة الرمادية: وهي سبعة
• عمليات المعلومات والتضليل: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى، بالإضافة إلى الجهود التقليدية لتعزيز سرد الدولة من خلال الدعاية وإثارة الشكوك والمعارضة والتضليل في الدول الأجنبية.
• الإكراه السياسي: استخدام الأدوات القسرية للتأثير على التكوين السياسي أو صنع القرار داخل الدولة، ويمكن أن تكون الأدوات اللازمة لتحقيق هذه النتائج مشروعة أو غير مشروعة.
• الإكراه الاقتصادي: استخدام أدوات فعالة اقتصادياً (مثل التمويل غير المشروع أو الطاقة القسرية) لتحقيق أهداف اقتصادية أو التسبب في اتباع نهج اقتصادي للخصم.
• العمليات السيبرانية: استخدام المتسللين أو الفيروسات أو غيرها من الوسائل لإدارة حرب المعلومات أو التسبّب في ضرر مادي أو تعطيل العمليات السياسية أو معاقبة المنافسين الاقتصاديين أو ارتكاب أعمال ضارة أخرى في الفضاء الإلكتروني.
• العمليات الفضائية: مقاطعة أنشطة الفضاء العادية والخدمات الفضائية للمنافسين عن طريق تعطيل المعدات أو الاتصالات مع أو من الفضاء أو البيانات أو الآثار التي توفرها أنظمة الفضاء.
• القوات الوكيلة: الإستخدام المباشر أو غير المباشر للجماعات من غير الدول والجماعات العامة لغرض التخويف العسكري أو السيطرة الإقليمية من أجل ممارسة النفوذ أو الحصول على نتائج سياسية أو أمنية محددة.
• الاستفزازات من قبل القوات التي تسيطر عليها الدولة: استخدام القوات غير العسكرية أو القوات شبه العسكرية مع خطوط تمويل أو اتصال مباشرة مع الدولة لتحقيق مصالحها، دون الإستخدام الرسمي للقوة؛ وتشمل هذه الفئة الأنشطة العلنية والسرية.
الدول المستهدفة:
تتولى أربع دول الحصة الأكبر من عمليات المنطقة الرمادية التي تتخذها الدول ضد الولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها وشركائها، وهم: الصين، روسيا، إيران، كوريا الشمالية. ويمكن تصنيف هذه الجهات من حيث الأكثر فاعلية وخطورة نظراً لاتساع ونوعية مجموعة أدوات كل دولة وتأثيراتها المحتملة النسبية على المصالح الأميركية، حيث تقع الصين في المرتبة الأولى وتعتبر الأكثر إثارة للقلق، تليها روسيا.
وعلى الرغم من امتلاك الولايات المتحدة الكثير من ادوات السلطة الدبلوماسية والمعلوماتية والاقتصادية والعسكرية، فإنها تفتقر إلى القدرة على المنافسة في المنطقة الرمادية من حيث الاستراتجية و الخطة وتزامن العمل.
Related Posts
صحيفة الخندق