Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

عندما تفشت جائحة كورونا في إيران في آذار 2020، وقعت الدعوات إلى رفع القيود المالية عنها للسماح باستيراد ما تحتاجه من الإمدادات الطبية على آذان صماء في إدارة الرئيس دونالد ترامب. لم يكن عند البيت الأبيض أيّ نية لكبح أداة القرن الواحد والعشرين القوية والتي تزداد أهميتها كل يوم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة: الحرب المالية.

هشام صفي الدين

عواقب الحرب المالية الأميركية في الشرق الأوسط

"

عندما تفشت جائحة كورونا في إيران في آذار 2020، وقعت الدعوات إلى رفع القيود المالية عنها للسماح باستيراد ما تحتاجه من الإمدادات الطبية على آذان صماء في البيت الأبيض. لم يكن عند إدارة الرئيس دونالد ترامب أيّ نية لكبح إحدى أهم أدوات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين: الحرب المالية. تٌشن هذه الحرب عن طريق عشرات الوكالات الحكومية في الولايات المتحدة، بقيادة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، وذلك من خلال فرض مروحة واسعة من العقوبات ضد أكثر من 6000 من الأفراد والشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم.

أكثر من نصف الدول التي تواجه مثل هذه العقوبات اليوم تقع في منطقة الشرق الأوسط. فقد قام الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بتوسعة العقوبات التي كان فرضها أسلافه على سوريا وإيران ولبنان، كما أعاد العقوبات على ليبيا وأدخل عقوبات جديدة في الصومال واليمن. وقام ترامببتفعيل العقوبات التي وضعتها إدارة أوباما، عبر بتوسيع رقعتها وقوتها.

إن الذرائع الأميركية خلف هذه التدابير العقابية، التي تلحق ضرراً مميتاً بشعوب المنطقة، ليست جديدة. التسويغ الذي يُقدَّم للشعب الأميركي والعالم يقوم على كليشيهاتمعتادة مثل محاربة الإرهاب، الدفاع عن حقوق الإنسان، إنهاء الفساد، الحدّ من تجارة المخدرات أو غسيل الأموال وربما التسريع في تغيير نظام الحكم. ومع ذلك، فقد تطوّرت هذه العقوبات تصميماً وتنفيذاً بمرور الوقت. إن ظاهرة الأمْوَلة (Financialization) التي أدت الى زيادة استخدام الأدوات المالية في وساطات التبادل الاقتصادي العالمي، إلى جانب الموقع المتقدم لقطاع المال الأميركي داخل أسواق المال، قد مكّنا واشنطن من توجيه ضربات أكثر إيلاما بأقل تكلفة. واليوم، وفي غياب مواجهة عسكرية أخرى واسعة النطاق شبيهة بغزو العراق عام 2003، يبقى لفشل أو نجاح العقوبات على المدى الطويل - خاصة ضد إيران وحلفائها -  الكلمة الفصل في الحكم على مصير الإمبراطورية الأميركية في المنطقة وخارجها.

حالياً، تقوم فعالية العقوبات على مجموعة من العوامل المرتبطة بهيكل النظام المالي العالمي والاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط كما وعلى هندسة وتطبيق هذه العقوبات نفسها. ويعتبر استمرار لعب الدولار دور العملة العالمية، على الرغم من تراجع القوة الاقتصادية للولايات المتحدة اليوم، إحدى العوامل الرئيسية تلك. هيمنة الدولار نفسها مرتبطة جزئياً بميزة أخرى ثابتة في الاقتصاد السياسي لبلاد الشرق الأوسط، أي الاعتماد على قطاع الطاقة. إنّ الاعتماد الكبير على إنتاج النفط الذي يتم تسعيره وتداوله بالدولار (البترودولار) يجعل دول الشرق الأوسط بشكل خاص عرضة للعقوبات المالية الأميركية لأنّه يقوّض قدرتها على النفاذ إلى الأسواق المالية، خارج تلك المرتبطة بالمراكز المالية الأميركية.

عادة ما يتم تقويض وصول الدولة إلى الأسواق المالية البديلة من خلال العقوبات الثانوية، والتي تعاقب المؤسسات غير الأميركية على القيام بأي عمل مع الكيانات المستهدفة، حتى عندما تعمل هذه الكيانات خارج نطاق السلطة القضائية للولايات المتحدة. وبالفعل فإن هذه العقوبات تنجح في فصل الكيانات المستهدفة بشكل فعال عن معظم الاقتصاد العالمي.عقوبات شاملة كهذه تتطلب جرعة من التعاون الدولي من أجل ضمان التنفيذ الفعال، وهو أمر كان أوباما أكثر وعياً له من ترامب.

وسط تزايد الدمج المالي العالمي، ستحتاج الدول والقوى السياسيةالخاضعة للعقوبات إلى تقويض التواطؤ الدولي مع العقوبات الأمريكية، وإنشاء أو تفعيل شراكاتها الخاصة للتجارة مع الحلفاء، والابتعاد عن الاعتماد الشديد على عائدات النفط مع دعم العملات المنافسة للدولار الأميركي. 

الدمج المالي العالمي بعد الحرب الباردة

ترك انهيار الاتحاد السوفياتي القوة العالمية للولايات المتحدة دون أي رادع. الدول التي تحدّت الهيمنة الأميركية مثل إيران والعراق في الشرق الأوسط أو كوبا وفنزويلا في أميركا اللاتينية، تعرضت لحظر شديد على التجارة أو الاستثمار خلّف مئات آلاف القتلى والكثير من الفقراء. بعد فوضى غزو العراق عام 2003، والانتفاضات العربية عام 2011، وسعت الولايات المتحدة مظلة العقوبات المالية - كبديل للعمل العسكري الواسع النطاق - ضد الدول والجهات غير الحكومية.

تتألف هذه الموجة الجديدة من العقوبات من نوعين، يعتمد كلاهما على زيادة "أمْولة" الاقتصاد العالمي. النوع الأوّل يستهدف جميعالمعاملات والأصول والتحويلات المتعلقة بالأشخاص المعنيين بالعقوبات، والذين يمكن أن يكونوا من الأفراد والشركات والجمعيات الخيرية والحكومات أو شركائهم. وتهدف هذه العقوبات إلى منع هؤلاء من الموارد المالية السائلة التي تموّل عبرها أنشطتها.

النوع الثاني، يفرض عقوبات على المعاملات المالية المرتبطة بالسلع الاستراتيجية، مثل صادرات الفحم من الصومال، والنفط من ليبيا وسوريا، والنفط والمعادن والذهب من إيران. وفي حالة الأخيرة، فإنها تنطوي أيضاً على عقوبات مالية على واردات المواد الأولية اللازمة لصناعة او استخراج هذه السلع (مثل الحديد أو الخرسانة وغيرها) والتي تستخدم للتنمية التكنولوجية والصناعية، مثل بناء السفن أو معالجة البتروكيماويات.

 تسعى هذه العقوبات إلى تجويع القطاع الصناعي الرئيسي للعدو من أجل حرمانه من العملة الصعبة، وهي الدولار الأميركي، المطلوبة لتمويل الواردات وتوسيع الاستثمار الأجنبي.

كان التعاون متعدد الأطراف عاملاً أساسياً في فعالية العقوبات الأميركية. ركيزة هذا التعاون هم حلفاء الولايات المتحدة الثابتين مثل كندا واليابان وبريطانيا - والتي تتداخل قائمة الدول الخاضعة للعقوبات لديها مع قائمة الولايات المتحدة، بل وفي حالة بريطانيا تفوقها في الواقع.

كذلك التزام السعودية ببيع النفط بالدولار وشراء السندات الحكومية الأميركية سراً، عزز مكانة رائدة للدولار الأميركي في أسواق العملات الأجنبية، وضمن إعادة تدوير الدولار ليعود بعد إنفاقه إلى الخزينة الأميركية نفسها. وفي الآونة الأخيرة، قامت واشنطن بشكل متزايد، بدفع دول تابعة لها في الخليج مثل السعودية وقطر وحتى عمان والكويت لمعاقبة حزب الله بينما يفضل رأس المال الخليجي، وبما يزيد على 2 تريليون دولار من صناديق الثروة السيادية، الاستثمار في أميركا الشمالية وأوروبا. أما محاولات أعداء أميركا مثل الصين أو روسيا لتسعير النفط وتداوله بالذهب أو عملات مثل اليورو واليوان الصيني، فقد قوبلت – كما هو مُتوقّع - بمعارضة شديدة من واشنطن.

الدولة مقابل الجهات الفاعلة غير الحكومية

لقد شمل التواطؤ في تطبيق العقوبات بالمثل الجهات غير الحكومية كذلك. في لبنان، خرقت البنوك الخاصة قوانين السرية المصرفية الشهيرة كي تنسجم مع المطالب الأميركية بمنع شركاء وأعضاء والمرتبطين بحزب الله، من الوصول إلى النظام المصرفي.بدافع من البنك المركزي، فرضت البنوك الخاصة أيضاً قانون الامتثال الضريبي للحسابات الخارجية، وهو القانون الأميركي الذي تم تطبيقه في عام 2010 في عهد أوباما، والذي يُلزم المؤسسات المالية الأجنبية بالإبلاغ عن الأصول الأجنبية التي يحتفظ بها أصحاب حساباتها المقيمين في الولايات المتحدة، وكثير منهم مواطنون أميركيون - لبنانيون. كما قامت الولايات المتحدة بملاحقة رجال أعمال لبنانيين أثرياء في أميركا اللاتينية وغرب إفريقيا، أو في بعض الحالات مقاضاة بنوك مثل جمال ترست بنك، لتعاملاتهم المزعومة مع حزب الله. استفادت واشنطن من جائحة كورونا والأزمة المالية التي تشلّ لبنان، من أجل حرمان الشعب اللبناني من المساعدة المالية والمعونة الطبية.

وقد قوضت أشكال العقاب الجماعي هذه الثروة المكتشفة حديثاً لبعض المغتربين اللبنانيين، وخفضت تحويلاتهم إلى أهلهم في الوطن، ونتيجة لذلك زعزعت استقرار الاقتصاد اللبناني.

لكن هناك القليل من الأدلة على أن العقوبات والقيود المصرفية قد جففت مصادر أموال حزب الله بل على العكس، فقد قامت عن غير قصد بحماية أصول حزب الله من أن تكون اليوم كغيرها محتجزة في البنوك، كما هو الحال مع المودعين خلال الانهيار الحالي للنظام المصرفي اللبناني.

لم تتمكن الجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية من الإلتفاف حول العقوبات المفروضة عليها من الولايات المتحدة فحسب، بل خرج البعض منها بنتائج ايجابية. تقدّم المصارف اللبنانية مثلاً أسعار فائدة عالية أصبحت وجهة لبعض الودائع اليمنية، وإن كانت مجمّدة الآن بسبب الأزمة المصرفية اللبنانية. ويقال أن شحنات الفحم الصومالي كذلك تشق طريقها إلى الموانئ الإيرانية حيث يتم إعادة تغليفها وبيعها (عبر دبي) عبر العالم العربي، في عملية توليد الدخل الضريبي لجماعة الشباب المتشددة.

على النقيض من ذلك، يصعب على الحكومة وكياناتها الرسمية كما في إيران تجنّب القنوات الرسمية للتجارة والتمويل،  فكما حصل بدعم من أوباما، حين عزز الكونجرس العقوبات الثانوية على طهران، منعت هذه العقوبات المؤسسات المالية الأجنبية من القيام بالعمل مع المؤسسات الإيرانية، بما في ذلك مصرفها المركزي.

على مسار مواز، واصلت واشنطن حملة التقاضي العدوانية ضد المؤسسات المالية غير الإيرانية المتهمة بانتهاك العقوبات بما في ذلك "ستاندرد تشارترد"، "رويال بنك اسكتلندا" و"بي إن بي باريبا"، حيث دفعت الأخيرة 9 مليارات دولار كتسوية. هذا خلق مناخا حذرا في الأوساط المالية. نقطة التحول حدثت عندما قام أوباما، الذي حفزته جزئياً جماعة الضغط من المحافظين الجدد المؤيدة لإسرائيل والمسماة "متحدون ضد إيران نووية"، وكذلك اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ الأميركي، بالتضييق على"سويفت" البلجيكية، وهي خدمة مراسلة مالية بين البنوك، من أجل طرد المؤسسات المالية الإيرانية من شبكتها. عندما امتثلت سويفت في عام 2012، أفادت التقارير بأن صادرات النفط الإيرانية انخفضت بأكثر من 50%. 

وقد ضرب ركود مالي آخر إيران مما ساهم في انتشار الاحتجاجات ضد ضرائب الوقودعندما سحب ترامب دعمه لخطة العمل الشاملة المشتركة، وأعاد فرض العقوبات الثانوية في عام 2018. قدّم ترامب أيضاً المزيد من إجراءات صارمة على تصدير الإمدادات الطبية والغذائية، الأمر الذي جعل من الصعب على إيران احتواء وإدارة انتشار الفيروس التاجي.

لم تكن دول الاتحاد الأوروبي على السمع هذه المرة، لكن معارضتها لم تثمر بعد. فشل نظام المدفوعات "INSTEX"، الذي أنشىء في عام 2019، حتى الآن في إنعاش التجارة ذات الحجم الكبير بين أوروبا وإيران. لا تزال البنوك مترددة في الدخول في أي صفقة مع إيران - بغض النظر عن النظام المستخدم لمعالجتها - خوفاً من انتهاك القيود المفروضة من الولايات المتحدة والتعرض للانتقام في الأسواق الأخرى.

التهاون الأوروبي في وجه تعنت ترامب عزز إذعان الدبلوماسية الأوروبية النهائي لواشنطن، فضلاً عن تثبيت مركزية هيمنة الدولار والأسواق المالية الأميركية في استمرار العقوبات المالية. إن مقاومة الحرب المالية الأميركية في المستقبل يجب أن تأخذ في الاعتبار هذين العاملين.

الحروب المالية المستقبلية

على الرغم من انخفاض القوة الاقتصادية في الولايات المتحدة، سواء من حيث نسبة الناتج المحلي الإجمالي وكذلك من حيث نسبتها ضمن التجارة العالمية، فإن الدولار لا يزال إلى حد كبير دون منازع. وفقاً لبنك التسويات الدولية، تم تسوية نحو ٨٨٪ من مجمل معاملات الصرف الأجنبي العالمية لسنة ٢٠١٩ بالدولار. وعلى الرغم من وضع الصين كثاني أكبر اقتصاد، إلا أن ترتيب اليوان هو الثامن عالمياً وبحصة ضئيلة لا تتجاوز 4.3%. يشكل الدولار أيضاً ما يقرب من 60% من جميع احتياطيات العملات العالمية، والتي هي أصول البنك المركزي المستخدمة لدعم العملة الخاصة بكل دولة.

إن الهوّة بين القوة الاقتصادية الأميركية وهيمنة الدولار ليس مستغربا، ذلك أن الثقة في العملات كوحدات دولية للمحاسبة وحفظ القيمة تدوم أكثر من قوة اقتصاداتها الوطنية المقابلة. لقد بقي الجنيه الإسترليني العملة الرائدة في العالم بعد أكثر من ربع قرن من تفوق الولايات المتحدة على بريطانيا كاقتصاد رائد. احتاج الأمر العديد من الصدمات، بما في ذلك حربين عالميتين مدمرتين وسلسلة من الانتفاضات المعادية للاستعمار، من أجل إعادة موازنة النقد والاقتصاد.

ومع ذلك، بدأت تظهر بعض التشققات في هيمنة الدولار. في السنوات الأخيرة، بدأت البنوك المركزية في التنويع بعيداً عن الدولار.كما أدرج صندوق النقد الدولي اليوان الصيني في حقوق السحب الخاصة (SDRs)، وهي عملة دولية ناشئة نوعاً ما تتكون من سلة من العملات الأخرى. هذه لا تزال خطوات جنينية مقارنة بوتيرة التحولات النقدية عبر التاريخ. هناك حاجة لصدمات كارثية للنظام وفترة طويلة ليتحوّل العالم بعيداً عن الدولار، تبلغ ذروتها بانهيار العملة، أو ما يشير إليه المحلل المالي جيري ريكاردز باسم نهاية عالم الدولار (Dollar Apocalpyse) .

الركود المطوّل في أعقاب فيروس كورونا، إلى جانب عمليات الإنقاذ الحكومية الضخمة من خلال إغراق السوق بالعملة، قد يسرّع صدمة من هذا النوع في المستقبل.إعادة الهيكلة في صناعة النفط وتقلبات الأسعار اللاحقة في أسواق النفط ومحاولات أكثر جرأة لبيع النفط بفئات أخرى، سيؤثر أيضاً على وضع الدولار في أسواق الصرف الأجنبي بشكل عام، ويخفض حصة الدولار من الاحتياطيات الأجنبية في البنوك المركزية في الشرق الأوسط. مهما كانت وتيرة انخفاض الدولار، فسوف تكون مصحوبة بفترة عالمية من حروب العملات وعدم الاستقرار.

يحدد ريكاردز أربع نتائج محتملة لهذه الحروب: أوّلها عملات احتياطية متعددة، حيث يصبح الدولار عملة واحدة فقط يضاف إليه العديد من العملات الاحتياطية التي تحتفظ بها البنوك المركزية والمتداولة عالمياً. والثاني هو تحويل حقوق السحب الخاصة إلى عملة عالمية، تحل محل الدولار. في هذه الحالة، يصبح صندوق النقد الدولي المدعوم من مجموعة العشرين، القوة المالية الفائقة التي تدير النظام النقدي العالمي. والثالث هو العودة إلى معيار تبادل الذهب. أمّا الرابع فهو الفوضى.

الدفع ضد العقوبات

ليست دول الشرق الأوسط والجهات غير الحكومية التي تواجه عقوبات في وضع يمكّنها من التأثير مباشرة على حروب العملات هذه، إذا قمنا بمقارنتها بالثقل الاقتصادي والسياسي لدول مثل الصين أو روسيا. لكن نعم، يمكن للجهات الفاعلة المعنية الاستفادة من التناقضات والمنافسات. على المدى القصير، المفتاح هو تقويض هذا التعاون المتعدد الأطراف لفرض العقوبات، بما في ذلك العقوبات الثانوية. التعاون في تقويض هذه الجبهة يجب أن يكون أسهل في عهد ترامب، الذي ينفّر بسهولة نظراءه الأوروبيين والآسيويين. على المدى الطويل، المفتاح هو عكس عملية الدولرة، وإن بشكل تدريجي وجزئي. أمّا بالنسبة للجهات الحكومية، والتي هي الأكثر تأثراً بالعقوبات المالية، تشمل مقاومة الدولرة التفاوض على شروط تجارية أفضل مع الكتل المتنافسة على العملات، وإنشاء كتل بديلة مع الشركاء الإقليميين أو حلفاء الجنوب العالميين، مع تسريع التحوّل عن الاعتماد الكلي على النفط، وزيادة نسبة الذهب والعملات الاحتياطية الأخرى في العملات الأجنبية الموجودة في سلالها النقدية.

لقد كان لإيران السبق في خطوتها الأخيرة تزويد فنزويلا بالنفط في ضوء التهديدات الأميركية. أما الدول العربية فهي الأقل استعداداً، كما أنّ شعوبها اليوم تواجه عمليات قمع استبدادية مستمرة، وحروباً أهلية، ومنافسات بين الدول على تدخّل عسكري أجنبي في ظلّ تسارع التوسع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني.

مع ذلك، فإنّ استعادة الشرعية المحلية مع حماية السيادة الوطنية - بقدر ما يبدو الأمر صعباً اليوم - هو الطريقة الوحيدة التي يمكن للبلدان العربية من خلالها المشاركة في الإدارة المعقدة لشبكة التنسيق المالي بين الدول المطلوبة لرفع الهيمنة المالية للولايات المتحدة. الكلام عن الانفكاك عن اقتصاد الدولار أسهل من الفعل. لكن الحرب المالية طويلة الأمد وليس هناك حلول سريعة وسحرية لمحاربتها. أولئك الأكثر قدرة على تأمين أنفسهم ضدّ الصدمات المستقبلية والتصرف بشكل جماعي لتحييد أنفسهم عن دائرة التأثّر هم الأكثر إمكانية للتحمّل وربما التغلّب على تلك الصدمات.

(ترجمة: هادي حطيط)

المقال بالانكليزية:
 https://merip.org/2020/06/consequences-of-us-financial-warfare-in-the-middle-east/

 

"

أستاذ مساعد في تاريخ الشرق الأوسط الحديث في الكلية الملكية في جامعة لندن.