تُعتبر اكتشافات دول الحافة الشرقية للبحر المتوسط على نحو من الأهمية بالرغم من وقوع الحقول في مياه المناطق الاقتصادية الخالصة الملتصقة بعضها ببعض بين هذه الدول. وتكمن أهمية هذه الحقول في ما يمكن أن تسديه من خدمة لأوروبا بشكل رئيس، نظراً لسعة الاحتياطات المحدودة (يُعتبر الاحتياط المكتشف في شرق المتوسط حتى الآن ضئيالاً نسبياً (نحو 400 تريليون قدم مكعب) مقارنة بإيران (1187 تريليون قدم مكعب)، أو قطر (885 تريليون قدم مكعب))، لكنها تكتسب أهمية كبرى في الوضعية السياسية التي تخلقها لدول شرق المتوسط في السنوات العشرين القادمة.

أما فيما يتعلق بالنفط الخام، فإنه لم يتم حتى الآن اكتشاف كميات تجارية في مياه شرق البحر الابيض المتوسط، إن في فلسطين، أو قبرص، وهي المناطق الثلاث التي تم فيها الحفر حتى الوقت الحاضر، مع الإشارة إلى أن إدارة المسح الجيولوجي الأميركية كانت قد قدرت في آذار - مارس 2010 متوسط الاحتياطي النفطي في حوض ليفانت (الحوض البترولي لشرق البحر الابيض المتوسط) بـ 1.7 مليار برميل من النفط الأمر الذي يعني أن احتياط النفط الخام المتوقع اكتشافه ضئيل نسبياً، قياساً بمعدلات الاستهلاك الحالية والمستقبلية في دول المنطقة.

ومن الجدير بالذكر، أن هناك محاولات إسرائيلية لإنتاج النفط الخام من اليابسة، إذ تنتج شركة إسرائيلية كميات حمدودة من النفط الخام من حقل "مجد 5" في الضفة الغربية بالقرب من رام الله. كما أن هناك شركات إسرائيلية تحت التأسيس لإنتاج النفط الصخري.

المخزون:

يُقدر حجم احتياط الغاز المؤكد، والمكتشف في المياه الشمالية للكيان بـ1000 مليار متر³، وهو رقم قابل للتغيير في ضوء عمليات الاستكشاف المستمرة. وقد اكتشفت شركة "نوبل إينرجي - Energy Nobel" الأميركية، وشركاؤها من الشركات النفطية الإسرائيلية، من قبل، نحو سبعة حقول في المياه الشمالية حتى الآن، معظمها صغير الحجم وذو احتياط ضئيل نسبياً، كما أن جميع هذه الاكتشافات، باستثناء الحقلين الضخمين "تامار" و"ليفايثان"، تقع في قاع البحر وبعمق يتراوح ما بين 15 و20 ألف قدم، الأمر الذي يجعل تكلفة الاستخراج مرتفعة جداً.

بدأ حقل "تامار" بالانتاج في آذار - مارس 2013 (بعد أربعة أعوام تقريباً من اكتشافه)، ويُقدر احتياط الحقل بـ9 تريليونات قدم³. ويُعتبر الحقل كافياً للاستهلاك الداخلي على مدى عقدين من الزمن تقريباً. وهو ما سيعوض من استيراد الفحم الحجري الذي يُستعمل حالياً في توليد الكهرباء. وقد جرى ربط إنتاج حقل "تامار" بمنصة بحرية في المياه الجنوبية قريباً من حقل "ماري ـ ب"، بدلاً من إيصال الانتاج إلى أقرب منطقة ساحلية (حيفا) وربطه بشبكة الغاز الإسرائيلية. كان العذر الرسمي لهذا النقل شكوى قدمتها بلدية الكرمل بشأن الآثار البيئية السلبية الناجمة عن تشييد المنشآت قبالتها، فضلاً عن التكاليف الباهظة اللازمة لإنشائها، قبل أن يتضح أن السبب الحقيقي لتغيير مسار الخط هو المخاوف الأمنية من حرب إسرائيلية مع حزب الله قد تضع المنشآت في دائرة التهديد.

ويُعتبر حقل "ليفايثان" الاكتشاف الغازي الأهم في الكيان، والذي تُقدر احتياطاته بـ20 تريليون قدم³، مع احتمال وجود قرابة المليار ونصف المليار برميل من النفط في الطبقات السفلى (على عمق 7200 متر). يبعد حقل ''ليفيثان'' نحو 80 ميال عن ساحل حيفا باتجاه المياه القبرصية، وتبلغ مساحته 125 ميلاً مربعاً (325 كم) ويبلغ عمق الآبار نحو 7200 متر، كما يبعد عن المياه اللبنانية نحو 55 كيلومتراً. وكانت شركة "نوبل إينرجي" قد اكتشفته وتملكت الحصة الأكبر فيه، بمشاركة الشركات الاسرائيلية: ديليك للحفر، وأفنير أويل للاستكشافات، و"أويل راشيو - Oil Ratio".

الاستراتيجية الإسرائيلية:

بلغ استهلاك الكيان من الغاز الطبيعي نحو 14 مليار متر³ نهاية عام 2020. تستهلك محطات الكهرباء الكمية الأكبر منه. في هذا السياق، وقعت شركة الكهرباء الإسرائيلية عقداً لمدة 15 عاماً )وفق مبدأ الاستلام أو الدفع الملزم) لشراء 78 مليار متر³ من الغاز من حقل "تامار"، مع حق زيادة الكمية إلى 99 مليار متر³. كما وقعت الشركة عقوداً أخرى لشراء نحو 145 مليار متر³ من حقول أخرى، مع حق شراء 23 مليار متر مكعب إضافية لتشغيل ثلاث محطات: القراءة (شمالي تل أبيب)، وأشكول (قرب أسدود) ومحطة حيفا. تسعى "إسرائيل" كذلك إلى تحويل محطة أوروت رابين (قرب الخضيرة) من الفحم الحجري إلى الغاز الطبيعي. على أن تبقى محطة كبيرة واحدة تستخدم الفحم الحجري، هي محطة روتنبرغ القريبة من عسقلان. والهدف من الاستمرار في استعمال الفحم الحجري في هذه المحطة الضخمة تنويع مصادر الطاقة المستخدمة في توليد الكهرباء، كي لا تعتمد جميع محطات الكهرباء على إمدادات الغاز الطبيعي، تلافياً لحدوث أزمة في البلد في حال انقطاع إمدادات الغاز لأسباب أمنية.

استراتيجياً، يعمل الكيان على إبقاء غاز يكفي لـ25 عاماً للاستهلاك المحلي، وقد خفض الإسرائيليون حجم احتياطي الاستهلاك المحلي من خمسين عاماً إلى خمس وعشرين بضغط من الشركات المنتجة سعياً لتصدير كميات أكبر وتحقيق قدر أكبر من الأرباح.

ليس هذا فحسب، ثمة سؤال في "إسرائيل" حول وجهة الغاز المقبلة؟ (هل سنصدر الغاز إلى أوروبا أو باتجاه آسيا؟). السؤال يكتسب قيمة مضافة إذا ما لوحظ الفتور الأميركي في الأشهر الستة المنصرمة تجاه خط غاز "إست ميد – EastMed" وإمكانية مد الخط نحو قبرص واليونان. قبيل نحو ستة أشهر أبرقت وزارة الخارجية الأمريكية إلى إدارة الشؤون الاقتصادية في وزارة الخارجية اليونانية ورقة غير رسمية تتعلق بمشروع خط أنابيب ​​(إيست ميد). فحوى الرسالة كان واضحاً، تفضل الولايات المتحدة ربط دول شرق المتوسط بأوروبا من خلال خطوط الكهرباء (مدّ كابل كهربائي في البحر يصل إلى أوروبا ويحمل إمدادات مصرية - قبرصية - إسرائيلية، تصل تكلفته إلى 700 مليون دولار تقريباً)[1] لا الغاز. حجة الإدارة الأميركية كانت مدرجة في "الجدوى المشكوك فيها للمشروع"، وتفضيل واشنطن بدائل الطاقة المتجددة.[2] ما وراء الرسالة الأميركية رجاء في ألا تخسر أميركا تركيا. هي تعي جيداً محورية الدور التركي في الأزمة الأوكرانية والإقليم عامة. حتى وإن اختلفت واشنطن وأنقرة، ينبغي ألا تخسر الأولى الأخيرة. وحتى تاريخ بدء الحرب الروسية - الأوكرانية من هذا العام، كان ثمة اتجاه إسرائيلي (عرضه عوديد عيران، مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب في صحيفة هآرتس، بتاريخ 24/1/2011) ينادي بتصدير الغاز إلى الدول الاقتصادية الكبرى في آسيا، وعلى رأسها الهند والصين بدلاً من أوروبا. يقول عيران ''هذا أمر منطقي نظراً إلى التزايد الكبير في القوة الاقتصادية لهذه الدول. إن تصدير الغاز إلى الشرق سيسمح بالتعاون الاقتصادي من أجل تسييل الغاز واستثماره مع دول منتجة للغاز مثل مصر، ودول أخرى في شبه الجزيرة العربية". رأي عيران عاد بقوة في الفترة الأخيرة مدفوعاً بتقارب تركي إسرائيلي بعد تصريحات أردوغان في 4 شباط - فبراير 2022، حول إمكانية استخدام الغاز الطبيعي الإسرائيلي في تركيا، كما وجهوده المشتركة مع الإسرائيليين لإيصال الغاز إلى أوروبا، وبعد زيارة رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة في آذار المنصرم.