حلّقت طائرت الحزب المسيرة مراراً فوق الأراضي المحتلة لعشرات الكيلومترات وعادةً سالمة متسببةً بإرباك الدفاع الجوي المعادي. يقول العدو، يمتلك حزب الله أسطولاً من هذه الطائرات، كما يمتلك الحزب خبرات كبيرة اكتسبها في بيئات مختلفة، منها البيئة اليمنية، حيث قصف أنصار الله - الحوثيين مرات عدة منشآت شركة آرامكو بالمسيرات رغم أنف منظومة باتريوت في عمليات شديدة التعقيد.
كاريش 1: "العباسية 2"؟
شن حزب الله يوم عيد الاستقلال من عام 2005 هجوماً واسعاً على المواقع الإسرائيلية في القطاع الشرقي، إجتاز عناصره السياج الإلكتروني وتجولوا بأسلحتهم داخل بلدة الغجر المحتلة وأفقدوا العدو السيطرة على الحدود لساعات كما بدا واضحاً في التسجيلات المرئية التي أُفرج عنها لاحقاً.
تناقلت الشاشات يومها مشهد تلقي بدبابات موقع العباسية لصواريخ المقاومة بشكلٍ دقيق كـ"ألعاب الفيديو"، لكن الواقع ان الآليات وطواقمها لم تتأذ بشكل فعلي لأن دروعها كانت أقوى من صواريخ الماليوتكا والفاغوت والساغر السوفياتية التي استعملها الحزب يومها، مما أدخل سلاح المدرعات الإسرائيلي في حالة من الطمأنينة الخادعة التي لم يصحُ منها حتى صبيحة العشر من آب 2006 حين سُحقت دبابات الميركافا في سهل الخيام بصواريخ كورنت (يُقال أنها سورية الصنع). فهل يلجأ الحزب للتكتيك نفسه اليوم؟
حلّقت طائرت الحزب المسيرة مراراً فوق الأراضي المحتلة لعشرات الكيلومترات وعادةً سالمة متسببةً بإرباك الدفاع الجوي المعادي. يقول العدو، يمتلك حزب الله أسطولاً من هذه الطائرات، كما يمتلك الحزب خبرات كبيرة اكتسبها في بيئات مختلفة، منها البيئة اليمنية، حيث قصف أنصار الله - الحوثيين مرات عدة منشآت شركة آرامكو بالمسيرات رغم أنف منظومة باتريوت في عمليات شديدة التعقيد. لكن الحزب اختار إرسال طائرات مسيرة توافق بيان الحزب والجيش الاسرائيلي على انها غير مسلحة لتقوم بمهمة انتحارية فوق حقل كاريش الغازي، في حدثٍ مفصليٍ مرفق ببينان "وصلت الرسالة وأنجزت المهمة" بما يوحي أن الأقسى لم يأتِ بعد.
تمسك الحزب بالخطاب/ البيان الذي أكد فيه السيد نصرالله "أن الهدف هو منع العدو من المباشرة بنشاط استخراج النفط والغاز من حقل كاريش، وأن على العدو انتظار نتيجة المفاوضات"، لكن اتضح له أن الأميركيين والإسرائيليين باتوا يتعاطون مع ملف ترسيم الحدود بأريحية أكبر بناءً على تقديرات خاطئة لديهم بأن الأزمة المالية والاقتصادية الداخلية، فضلاً عن الوضاع المعيشية تكبلان المقاومة وتجبرها على القبول بأي عرض. وأنها لن تستطيع تسييل تهديدات السيد نصرالله، لذا كان من الطبيعي الانتقال من المرحلة النظرية إلى المرحلة العملية لتقديم "بيان نوايا" ميداني وتحقيق عدة أهداف أهمها:
-التأكيد على أن تهديدات السيد نصر الله ليست مجرد كلام وأن "المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام نهب ثروات لبنان وكل الخيارات مفتوحة ومطروحة أمامها عند الحاجة" ولا تأثير للأزمة الاقتصادية على قرار الحزب.
-استطلاع بالنار لمنطقة محمية بمنظومة القبة الحديدية وتحرسها عدة قطع بحرية، لاختبار الدفاعات الجوية الإسرائيلية تمهيداً للهجوم الفعلي، ولا يُعلم إن كان الاسرائيلي قد استُدرج إلى الفخ بتصديه للمسيرات أم تعاطى معه بما يناسبه.
-استعراض القوة وتذكير العدو ومن يعنيهم الأمر بالقدرة على تخريب مشروع استخراج الغاز وتصديره بما يعنيه ذلك بالنسبة لأمن الطاقة في أوروبا خلال المرحلة المقبلة.
-تثبيت صفة منطقة متنازع عليها في حقل كاريش بالقوة بعد محاولات الوسيط الأميركي حرف المشهد وحصر المنطقة المتنازع عليها بما بين الخطين 1، و23.
-الضغط على الوسيط الأميركي الذي يماطل بالرد على الجانب اللبناني لفرض أمر واقع، ويعمل لإجبار الدولة اللبنانية على القبول بما تقرره "إسرائيل" عبر استغلال الأزمات اللبنانية، بمثل ما قام به في ملف استجرار الكهرباء.
-إطلاق حريات الشركات العالمية في العمل في كل الحقول اللبنانية الممتدة شمالاً حتى الحدود مع سوريا.
-الرد على رئيس أركان العدو أفيف كوخافي وقادة الكيان بأن تهديداتهم للبنان غير مجدية ولا تؤثر في قرار قيادة المقاومة.
على الجانب الاسرائيلي تفاخر الجيش بإسقاط المسيّرات مدّعياً رصدها من لحظة إقلاعها إلا أن الاعلام الاسرائيلي شكك في ذلك نظراً لوصول إحدى المسيرات إلى مسافة أميال من المنصة، كما صوّب الإعلام أيضاً على عجز سلاح الجو عن إسقاط الطائرات الثلاث إذ أسقط إحداها بصعوبة واضطر لإخلاء الجو لاتاحة المجال أمام سلاح البحرية لاسقاط الطائرتين الأخريين بصواريخ باراك، مع الإشارة إلى فارق الكلفة بين الطائرات المسيّرة الرخيصة وبين الصواريخ الاعتراضية الباهظة جداً، وعدم القدرة على الرد، حيث أُشير إلى أن الجيش يدرس امكانية الرد دون الرد بشكل واضح وعلني، لأن المسألة معقدة بل قد يكتفي بجمع شظايا الدرونز ودراستها بانتظار تحقق مخاوف المنظومة الأمنية حول المزيد من الهجمات من قبل حزب الله. بالمحصلة، تهتم الإدارة الإسرائيلية اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى في تأمين بيئة آمنة لمشاريع الطاقة وبناها التحتية، وتسعى لعدم إدخالها في أي نزاع قد يتسبب في تنفير الشركات المستثمرة وربما وقف عملياتها، وهي نقطة ضعفٍ يعيها حزب الله جيداً.
أما السفارة الأميركية في بيروت فقد تحرّكت فور الإعلان عن خبر إسقاط المسيّرات فوق منطقة كاريش لشن حملة تهويل تحذر من توريط حزب الله للبنان في حرب جديدة، وبالتوازي تحرك فريق أميركا في لبنان متهمين حزب الله بمحاولة حرمان اللبنانيين من ثروتهم عبر استفزاز "إسرائيل" وعرقلة المفاوضات، وهو الفريق نفسه الذي روّج خلال الأسابيع الماضية لصفقة شارك فيها الحزب لبيع حقل كاريش لـ"إسرائيل"، والأكثر غرابةً أن 22000 خرق إسرائيلي للأجواء اللبنانية بطائرات أميركية خلال السنوات الخمسة عشر الماضية لم تستفز المشاعر "السيادية" لفريق أميركا ولم تدفع الولايات المتحدة لمراجعة الجيش الاسرائيلي حول إساءة استعمال الأسلحة الأميركية لكن طلعةً واحدة لطيران المقاومة المسير قرب الحدود البحرية مع الأراضي المحتلة تستفز "السياديين" الجدد أكثر من الكرياه (مقر وزارة الحرب الإسرائيلية) نفسه.
فهل ما شاهناه بالقرب من كاريش كان "عباسية 2 بحرية" لإجبار "إسرائيل" على القبول بمطالب لبنان في خط 23+ قانا، وقبل كل ذلك، السماح بحرية التنقيب في كل المياه اللبنانية، تحت طائلة اللجوء إلى خيار وادي الحجير؟.
Related Posts
كاتب لبناني